البرهنة ، إذ لم تزل الأُمّة الإسلامية ، في أعصارها الغابرة والحاضرة ، أمام موضوعات مستجدة وطارئة ، فيجب عليها عند ذلك أن تختار سلوك أحد السبل التالية :
ـ إمّا بذل الوُسْع في استنباط أحكامها من الكتاب والسُّنّة والعقل .
ـ أو اتّباع القوانين الوضعية البشرية من غير نظر إلى مقاصد الشريعة .
ـ أو الوقوف والسكوت من غير إفتاء .
ولا شك أن المتعين هو الأول .
وقد كان الإجتهاد مفتوحاً بصورته البسيطة بين الصحابة فالتابعين ، كما أنّه لم يزل مفتوحاً على مصراعيه بين أصحاب الأئمة الإثني عشر ، وهم الذين قالوا لشيعتهم : « إنّما علينا إلقاء الأُصول وعليكم التفريع » (١) .
وإنّ من مواهب الله تعالى ، العظيمة ، على الأُمّة الإسلامية ، تشريع الإجتهاد ، وفسح المجال لعلماء الأمّة لأن يناقشوا أفكارهم ، فلم تقم للإسلام دعامة ، ولا حفظ كيانه ونظامه إلّا على ضوء هذه البحوث والمناقشات العلمية وردّ صاحب فكر على ذي فكر آخر ، وقد حكى شيخنا العلامة المتضلع ، شيخ الشريعة الأصفهاني ـ رحمه الله ـ عن بعض الأعلام ، قوله : « إنّ عدم محاباة العلماء ، بعضهم لبعض ، من أعظم مزايا هذه الأُمّة ، التي أَعْظَمَ الله بها عليهم النعمة ، حيث حفظهم عن وصمة محاباة أهل الكتابين ، المؤدية إلى تحريف ما فيهما ، واندراس تينك الملتين ، فلم يتركوا لقائل قولاً فيه أدنى دخل إلّا بيّنوه ، ولفاعل فيه اعوجاج إلّا قوّموه ، حيث اتّضحت الآراء وانعدمت الأهواء ، ودامت الشريعة البيضاء ، على مِلىء الآفاق بأضوائها ، مأمونة عن التحريف ، ومصونة عن التصحيف » (٢) .
وقد جَنَت بعض الحكومات الإسلامية ، حيث أقفلت باب الإجتهاد ، في
__________________
(١) الوسائل ، ج ١٨ ، كتاب القضاء ، الباب السادس من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٥٢ .
(٢) إبانة المختار ، ص ١ .