وإجابة دعوة الأنبياء ، فاقتضت حكمته تعالى أخذهم بالبأساء والضراء ، لعلهم يضرعون ويبتهلون إلى الله تعالى (١) .
ولاجل ذلك نشهد أن الأنبياء لم يكتفوا بإقامة الحجة والبرهان ، والإِتيان بالمعاجز ، بل كانوا ـ مضافاً إلى ذلك ـ مبشرين ومنذرين . وكان الترغيب والترهيب من شؤون رسالتهم ، قال تعالى : ( رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ) (٢) . والإنذار والتبشير دخيلان في رغبة الناس بالطاعة وابتعادهم عن المعصية .
وفي كلام الإِمام علي عليه السلام إشارة إلى هذا ، قال عليه السلام :
« أيها الناس ، إن الله تبارك وتعالى لما خلق خلقه أراد أن يكونوا على آداب رفيعة وأخلاق شريفة ، فعلم أنهم لم يكونوا كذلك إلا بأَن يعرّفهم ما لهم وما عليهم ، والتعريف لا يكون إلا بالأمر والنهي (٣) . والأمر والنهي لا يجتمعان إلا بالوعد الوعيد ، والوعد لا يكون إلا بالترغيب ، والوعيد لا يكون إلا بالترهيب ، والترغيب لا يكون إلا بما تشتهيه أنفسهم وتلذه أعينهم ، والترهيب لا يكون إلا بضد ذلك . . . الخ » (٤) .
وقوله عليه السلام : « والأمر والنهي لا يجتمعان إلّا بالوعد والوعيد » ، إشارة إلى أنّ امتثال الأمر والنهي ونفوذهما في نفوس الناس يتوقف على الثواب والعقاب ، فلولاهما لما كان هناك حركة إيجابية نحو التكليف إلّا من العارفين الذين يعبدون الله تعالى لا رغبة ولا رهبة ، بل لكونه مستحقاً للعبادة .
فتحصّل من ذلك أنّ ما هو دخيل في تحقق الرغبة بالطاعة ، والإبتعاد عن المعصية ، في نفوس الأكثرية الساحقة من البشر ، يجب على الله سبحانه القيام به صوناً للتكليف عن اللغو ، وبالتالي صوناً للخلقة عن العبث .
__________________
(١) لاحظ الإلهيات ، ج ١ ، بحث البلايا والمصائب والشرور وكونه حكيماً ، ص ٢٧٣ ـ ٢٨٦ .
(٢) سورة النساء : الآية ١٦٥ .
(٣) هذا إشارة إلى اللطف المحصل .
(٤) بحار الأنوار ، ج ٥ ، كتاب العدل والمعاد ، الباب الخامس عشر ، الحديث ١٣ ، ص ٣١٦ .