نعم إذا كانت هذه المباديء كافية في تحريك الأكثرية ، نحو الطاعة ، ولكن القليل منهم لا يمتثلون إلّا في ظروف خاصة ، كاليسر في الرزق ، أو كثرة الرفاه ، فهل هو واجب على الله سبحانه ؟ .
الظاهر لا ، إلا من باب الجود والتفضل .
وبذلك يعلم أن اللطف المقرب إذا كان مؤثراً في رغبة الأكثرية بالطاعة وترك المعصية يجب من باب الحكمة .
وأما اذا كان مؤثراً في آحادهم المعدودين ، فالقيام به من باب الفضل والكرم .
وبذلك تقف على مدى صحة ما استدل به بعضهم على اللطف في المقام ، أو سقمه .
استدل القاضي عبد الجبار على وجوب اللطف بقوله : « إنه تعالى كلّف المكلّف ، وكان غرضه بذلك تعريضه إلى درجة الثواب ، وعلم أن في مقدوره ما لو فعل به لاختار عنده الواجب ، واجتنب القبيح ، فلا بد من أن يفعل به ذلك الفعل وإلا عاد بالنقض على غرضه ، وصار الحال فيه كالحال في أحدنا إذا أراد من بعض أصدقائه أن يجيبه إلى طعام قد اتخذه ، وعلم من حاله أنه لا يجيبه ، إلا اذا بعث إليه بعض أعزته من ولد أو غيره ، فإنه يجب عليه أن يبعث ، حتى إذا لم يفعل عاد بالنقض على غرضه . وكذلك ها هنا » (١) .
وقال العلامة الحلي : « إن المكلِّف ( بالكسر ) إذا علم أن المكلَّف لا يطيع إلا باللطف ، فلو كلفه من دونه كان ناقضاً لغرضه ، كمن دعا غيره إلى طعام ، وهو يعلم أنه لا يجيبه إلا أن يستعمل معه نوعاً من التأدّب ، فإن لم يفعل الداعي ذلك النوع من التأدب كان ناقضاً لغرضه ، فوجوب اللطف يستلزم تحصيل الغرض » (٢) .
__________________
(١) شرح الاصول الخمسة ، ص ٥٢١ .
(٢) كشف المراد ، الفصل الثاني ، المسألة الثانية عشرة ، ص ٣٢٥ ، ط قم ١٤٠٧ .