وقال الفاضل المقداد : « إنا بيَّنّا أنه تعالى مريد للطاعة وكاره للمعصية ، فإذا علم أن المكلف لا يختار الطاعة ، أو لا يترك المعصية ، أو لا يكون أقرب الى ذلك إلا عند فعل يفعله به ، وذلك الفعل ليس فيه مشقة ولا غضاضة ، فإنه يجب في حكمته أن يفعله ، إذا لو لم يفعله لكشف ذلك : إما عن عدم إرادته لذلك الفعل ، وهو باطل لما تقدم ، أو عن نقض غرضه ، إذا كان مريداً له ، لكن ثبت كونه مريداً له فيكون ناقضاً لغرضه .
ويجري ذلك في الشاهد مجرى من أراد حضور شخص إلى وليمة ، وعرف أو غلب على ظنه أن ذلك الشخص لا يحضر إلا مع فعل يفعله ، من إرسال رسول أو نوع أدب أو بشاشة أو غير ذلك من الأفعال ، ولا غضاضة عليه في فعل ذلك فمتى لم يفعل عُدّ ناقضاً لغرضه .
ونقض الغرض باطل ، لأنه نقض ، والنقص عليه تعالى محال ، ولأن العقلاء يعدونه سَفَهاً وهو ينافي الحكمة » (١) .
وهذه البيانات تدل على أن اللطف واجب من باب الحكمة .
هذا كلام القائلين بوجوب اللطف ، وهو على اطلاقه غير تام ، بل الحق هو التفصيل بين ما يكون مؤثراً في تحقق التكليف بشكل عام بين المكلفين ، فيجب من باب الحكمة ، والا فيرجع إلى جوده وتفضله من دون إيجاب عليه .
واستدل القائل بعدم وجوبه بقوله : « لو وجب اللطف على الله تعالى لكان لا يوجد في العالم عاصٍ ، لأنه ما من مكلف إلا وفي مقدور الله تعالى من الألطاف ما لو فعله به لاختار عنده الواجب واجتنب القبيح ، فلما وجدنا في المكلفين من أطاع وفيهم من عصى ، تبين أن الألطاف غير واجبة على الله تعالى » (٢) .
يلاحظ عليه : أنَّ كون العاصي دليلاً على عدم وجوبه ، يعرب عن أنّ
__________________
(١) ارشاد الطالبين ، ص ٢٧٧ ـ ٢٧٨ .
(٢) شرح الاصول الخمسة ، ص ٥٢٣ .