وهناك أمور تخالف القواعد العادية ، بمعنى أنّها تعدّ محالاً حسب الأدوات والأجهزة العادية ، والمجاري الطبيعية ، ولكنها ليست أمراً محالاً عقلاً لو كان هناك أدوات أخرى خارجة عن نطاق العادة ، وهي المسماة بالمعاجز . ولأجل تقريب ما ذكرنا تمثّل ببعض الأمثلة :
مثال أوّل : جرت العادة على أنّ حركة جسم من مكان إلى مكان آخر تتحقق في إطار عوامل وأسباب طبيعية بدائية أو وسائل صناعية متحضرة . ولكن لم تعرف العادة أبداً حركة جسم كبير من مكان إلى مكان آخر بعيد عنه ، في فترة زمانية لا تزيد على طرفة العين ، بلا تلك الوسائط العادية . ولكن هذا غير ممتنع عقلاً ، إذ لا يمتنع أن تكون هناك أسباب أخرى لتحريك هذا الجسم الكبير ، لم يقف عليها العلم بعد .
ومن هذا القبيل قيام من أُوتي علماً من الكتاب بإحضار عرش بلقيس ، ملكة سبأ ، من بلاد اليمن إلى بلاد الشام ، في طرفة عين ، بلا توسط شيء من الأجهزة المادية المتعارفة ، بل بأسباب غيبية كان مطّلعاً عليها . فعمله هذا الخارق للعادة ، غير خارق للعقل لما ذكرنا ، وهو معجزة .
مثال ثان : إنّ معالجة الأمراض الصعبة كالسِّل والعَمَى ، أمر ممكن لذاته عقلاً ، ولكنه كان أمراً محالاً عادة في القرون السالفة ، لقصور علم البشر عن الوقوف على الأجهزة والأدوية التي تعيد الصحة إلى المسلول ، والبصر إلى الأعمى . ومع تقدم العلم تذلّلت الصعاب أمام معالجة هذه الأمراض ، فصار بإمكان الطبيب الماهر القيام بالمعالجة عن طريق الأدوية والعمليات الجراحية .
وفي المقابل هناك طريقة أخرى للعلاج ، وهي الدعاء والتوسّل إلى الخالق تعالى .
والعلاج ـ بكلا الطريقتين ـ يشترك في كونه أمراً ممكناً عقلاً ، غير أنّه يختلف في الطريقة الأولى عن الثانية ، بالطريق والسبب ، فالطبيب الماهر يصل إلى غايته بالأجهزة العادية ، فلا يعد عمله معجزة ولا كرامة ، والنبي ـ كالمسيح وغيره ـ يصل إلى نفس تلك الغاية عن طريق غير عادي ، فيسمى معجزة .