النظام شغله الشاغل . وإنّما يقوم به الأنبياء في فترات خاصة وحساسة لغايات تربوية .
ثم إنّ النبي إذا أراد الإتيان بالمعجزة ، أطْلَعَ الناس مُسْبَقاً على أنّه سيقوم بخرق العادة في وقت خاص . وهذا دالّ على وجود قوة قاهرة مسيطرة على العالم ، تقوم كلما شاءت واقتضت الحكمة والمصلحة القدسية ، بخرق بعض النظم والتخلّف عنها . فالعالم ، قَبْضُه وبَسْطُه ، وسنّ أنظمته وخرقها ، بيد خالقه ، يفعل ما يشاء حسب المصالح .
وخلاصة البحث أنّ الإعجاز ليس خرقاً لجميع النظم السائدة على العالم ، وإنّما هو خرق في جزء من أجزائه غير المتناهية الخاضعة للنظام والدالّة ببرهان النظم على وجود الصانع . وأيضاً ، إنّ قيام الأنبياء بالإعجاز إنّما يحصل بعد اقترانه بالإعلام المسبق ، حتى يقف الناظرون على أنّ خرق العادة وقع بإرادة ومشيئة القوة القاهرة المسيطرة على الكون والمجرية للسنن والأنظمة فيه .
هذا كلّه ، مع أنّ الإعجاز ، وإن كان خرقاً للسنن العادية ، إلّا أنّه ربما يقع تحت سنن أخرى مجهولة لنا معلومة عند أصحابها ، فهي تخرق النظام العادي ، وتجري نظاماً آخر غير عادي ، لا يقلّ في نظمه عنه .
* * *