ولك أن تصب هذا الإستدلال في قالب القياس المنطقي ، فتقول :
إنّه سبحانه حكيم ، والحكيمُ لا يجعل الكون ولا بعضَه مُسَخَّراً للكاذب ، فالله سبحانه لا يجعل الكون ولا بعضه مسخراً للكاذب . ولكن المفروض أنّ هذا المدّعي مُسَخِّر للكون ، فينتج أنّه ليس بكاذب بل صادق .
ولا بُدّ من الإشارة هنا إلى أنّ دلالة المعجزة على صدق دعوى النبوّة يتوقف على القول بالحسن والقبح العقليين ، وأمّا الذين أعدموا العقل ومنعوا حكمه بهما ، فيلزم عليهم سدّ باب التصديق بالنبوّة من طريق الإعجاز ، لأنّ الإعجاز إنّما يكون دليلاً على صدق النبوّة ، إذا قَبُح في العقل إظهار المعجزة على يد الكاذب ، فإذا توقف العقل عن إدراك قبحه ، واحتمل صحة إمكان ظهوره على يد الكاذب ، لا يَقْدِرُ على التمييز بين الصادق والكاذب (١) .
وفي بعض كلمات المتكلمين إشارة إلى ما ذكرنا . يقول القوشجي : « إنّما كان ظهور المعجزة طريقاً لمعرفة صدقه لأنّ الله تعالى يخلق عقيبها العلم الضروري بالصدق (٢) ، كما إذا قام رجل في مجلس مَلِكٍ بحضور جماعة ، وادّعى أنّه رسول هذا الملك إليهم ، فطالبوه بالحجة ، فقال : هي ( الحجة ) أن يخالف هذا الملك عادته ، ويقوم على سريره ، ثلاث مرّات ويقعد ، ففعل . فإنّه يكون تصديقاً له ، ومفيداً للعلم الضروري بصدقه من غير ارتياب » (٣) .
وقال المحقق الخوئي : « إنّما يكون الإعجاز دليلاً على صدق المدّعي ، لأنّ المعجز فيه خرقٌ للنواميس الطبيعية ، فلا يمكن أن يقع من أحد إلّا بعناية من الله تعالى وإقدار منه . فلو كان مدّعي النبوّة كاذباً في دعواه ، كان إقداره على المعجز
__________________
(١) وإن للفضل بن روزبهان الأشعري كلاماً في الخروج عن هذا المأزق ، غير تام ، فمن أراد فليرجع إلى دلائل الصدق ، ج ١ ، ص ٣٦٦ ، وقد أوردناه في الجزء الأول من الكتاب وأجبنا عليه لاحظ ص ٢٤٧ ـ ٢٤٨ .
(٢) هذا التعبير صحيح على منهج الأشاعرة من أنّ أفعال العباد كلها مخلوقة لله تعالى ، ولكن الحق أنّ هذا العلم يوجَدُ في الإنسان بعد عدّة عوامل .
(٣) شرح القوشجي على التجريد ، ص ٤٦٥ الطبعة الحجرية ، ايران .