الأول : أنّ الخالق عادلٌ لا يجور ، وحكيمٌ لا يفعل ما يناقض الحكمة .
الثاني : أنّه سبحانه يريد هداية الناس ، ولا يرضى بضلالتهم وكفرهم .
الثالث : أنّ المعجزة إنّما تعدّ سنداً لصدق دعوى النبوة إذ كان حاملها واجداً لشرطين :
١ ـ أن تكون سيرته نقية الثوب ، وبيضاء الصحيفة ، لم يُسَوِّدها شيء من الأعمال المشينة .
٢ ـ أن تكون شريعته مطابقة للعقل ، وموافقة للفطرة . أو على الأقل ، لا يرى فيها ما يخالف العقل والفطرة .
فلو أنتفى الشرط الأول ، بأن كانت سوابقه سيئة ، لكفى ذلك في تنفر الناس عنه .
وكذا لو انتفى الشرط الثاني ، بأن كانت شريعته مخالفة للعقل والفطرة ، لما تَقَبَّلها أصحاب العقول السليمة .
وأمّا لو توفّر الشرطان فيه ، فتتطاول إليه الأعناق ، وتنقاد له القلوب ، ولشرعه العقول ، فيسلّمون ما يقول ، ويطيعون ما أمر .
وهنا نقول : لو كانت دعوة هذا المدّعي ، صادقة ، فإعطاؤه القدرة على الإتيان بالعجائب والخوارق ، مطابق للحكمة الإلهية .
وأمّا لو كانت دعواه كاذبة ، فإعطاؤه تلك القدرة ، وتسخير عالم التكوين له ، في تلك الظروف ، على خلاف الحكمة ، وعلى خلاف الأصل الثاني المتقدم أعني أنّه تعالى يريد هداية الناس ، ولا يرضى بإضلالهم ، وذلك لأنّه تعالى يعلم أنّ الظروف تُوجِدُ في الناس خضوعاً لهذا الشخص ، فيكون إقداره على الإعجاز ، مع كونه كاذباً ، إغراءً بالضلالة ، وصدّاً عن الهداية ، والله تعالى حكيم لا يفعل ما يناقض غرضه وينافي إرادته ، فأي دلالة منطقية أوضح من ذلك ؟ .