إمضاءٌ منّا لها ، وإدخال للباطل في شريعة الهدى ، فيجب علينا حفظ الشريعة في مرحلة البقاء ، كما وجب علينا في مرحلة الحدوث » (١) .
إنّ هذه الآيات تحكي عن سنّة إلهية جارية في خصوص من ثبتت نبوّتهم بالأدلّة القطعية ودلّت معاجزهم على أنّهم تحت رعايته سبحانه ، الذي أقدرهم بها على التصرّف في الكون . فالإنسان الذي يصل إلى هذا المقام ، يستولي على مجامع القلوب ، ويسخّر الناس بذلك لمتابعته ، فكل ما يلقيه ، ويشرّعه ، يأخذ طريقه إلى التنفيذ في حياة الناس والمجتمع . فلو افتعل هذا الإنسان ـ في مثل هذه الظروف ـ كذباً على الله تعالى ، اقتضت حكمته سبحانه إهلاكه وإبادته ، لِما في إبقائِه وإدامة حياته ، من إضلال الناس ، وإبعادهم عن طرق الهداية ، الأمر الذي يناقض مقتضى الحكمة الإلهية التي شاءت هداية الناس وإبعادهم عن وسائل الضلالة .
والتدبّر في مفاد هذه الآيات يرشدنا إلى وجود الرابطة المنطقية بين كون النبي محقّاً في دعواه ، وإتيانه بالمعجزة وأنّه يتصرف في الكون برضى مبدعه . وبقاؤه على وصف التصرّف كاشف عن رضاه تعالى ، وصدق النبي فيما يأتي به .
وبما ذكرنا يعلم أنّ الآيات لا تهدف إلى أنّ دعوى النبوّة كافية في صدق المدّعي ، وأنّ المدّعي لو كان كاذباً في دعواه لشملته نقمة الله سبحانه وإماتته ، بحجة أنّه لو تقوّل عليه بعض الأقاويل لقطع منه الوتين ، فاستمرار المدّعي للنبوّة على الحياة ـ وإن لم يأت بأية معجزة ولم يُقم برهاناً على صدق دعواه ـ هو ، بحدّ نفسه ، كاشفٌ عن صدق دعواه (٢) .
إذ لا ريب أنّ هذه الدعوى أوهن من بيت العنكبوت ، ولو صحّت ، للزم تصديق كل متنبيء في العالم ـ وإن ثبت كذبه ـ لمجرّد عدم إهلاك الله تعالى له .
إلى هنا وقفت على البيان الأول الذي يُثبت أنّ بين دعوى النبوّة والإتيان بالمعجزة ، رابطة منطقية .
__________________
(١) البيان في تفسير القرآن ، ص ٣٦ ، الطبعة الثامنة ، ١٤٠١ هـ ـ بيروت .
(٢) ادّعى ذلك الكاتب البهائي ، أبو الفضل الجرفادقاني ، في كتابه الفرائد ، ص ٢٤٠ ، طبعة مصر .