٦٢ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ) هم الذين آمنوا بعيسى ثم لم يتهودوا ولم يتنصروا ولم يصبأوا وانتظروا خروج محمد (ص) (مَنْ آمَنَ بِاللهِ) أي بتوحيد الله وصفاته وعدله (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) يعني يوم القيامة والبعث والنشور والجنة والنار (وَعَمِلَ صالِحاً) أي عمل ما أمر الله به من طاعات (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) أي جزاؤهم وثوابهم (عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي معد لهم عنده ، وقوله (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) معناه : لا خوف عليهم في العقبى ولا يحزنون على الدنيا. وفي هذه الآية دلالة على أن الإيمان هو التصديق والإعتقاد بالقلب.
٦٣ ـ ثم عاد إلى خطاب بني إسرائيل فقال : (وَ) إذكروا (إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) أي عهدكم والعهد هو الذي فطر الله الخلق عليه من التوحيد والعدل ، ونصب لهم الحجج الواضحة ، والبراهين الساطعة الدالة على ذلك وعلى صدق الأنبياء والرسل (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) قال أبو زيد : هذا حين رجع موسى من الطور فأتى بالألواح فقال لقومه جئتكم بالألواح وفيها التوراة والحلال والحرام فاعملوا بها ، قالوا : ومن يقبل قولك ، فأرسل الله عزوجل الملائكة حتى نتقوا الجبل فوق رؤوسهم فقال موسى (ع) : إن قبلتم ما آتيتكم به وإلّا أرسلوا الجبل عليكم ، فأخذوا التوراة وسجدوا لله تعالى ملاحظين إلى الجبل ، فمن ثم يسجد اليهود على أحد شقي وجوههم (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ) يعني التوراة (بِقُوَّةٍ) أي بجدّ ويقين لا شك فيه (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) يعني احفظوا ما في التوراة من الحلال والحرام ولا تنسوه (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أي كي تتقوني إذا فعلتم ذلك ، وتخافوا عقابي ، وتنتهوا إلى طاعتي ، وتنزعوا عما أنتم عليه من المعصية.
٦٤ ـ معنى الآية ثم نبذتم العهد الذي أخذناه عليكم بعد إعطائكم المواثيق وراء ظهوركم وأعرضتم عنه (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ) أي فلولا أن الله تفضل عليكم بالتوبة بعد نكثكم الميثاق الذي واثقتموه إذ رفع فوقكم الطور ، وأنعم عليكم بالإسلام ، ورحمته التي رحمكم بها فتجاوز عنكم خطيئتكم بمراجعتكم طاعة ربكم (لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) المعنى : فلولا فضل الله عليكم بإمهاله إياكم بعد توليكم عن طاعته حتى تاب عليكم برجوع بعضكم عن ذلك وتوبته لكنتم من الخاسرين.
٦٥ ـ خاطب اليهود فقال (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ) أي عرفتم (الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) أي الذين جاوزوا ما أمروا به من ترك الصيد يوم السبت (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً) وهذا إخبار عن سرعة فعله ومسخه إياهم وقوله (خاسِئِينَ) أي مبعدين عن الخير وقيل أذلاء صاغرين مطرودين ، عن مجاهد.
٦٦ ـ (فَجَعَلْناها) الضمير يعود إلى القرية التي مسخت وهم أهل أيلة قرية على شاطىء البحر (نَكالاً) أي عقوبة وقيل : إشتهارا وفضيحة وقيل : تذكرة وعبرة وقوله : (لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها) المروي عن الباقر والصادق عليهماالسلام أنهما قالا : لما بين يديها : أي لما معها ينظر إليها من القرى ، وما خلفها : نحن ولنا فيها موعظة (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) معناه : أنه إنما يتعظ بها المتقون ، فكأنها موعظة لهم دون غيرهم ، وهذا كقوله سبحانه : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ).
٦٧ ـ ٧١ ـ (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) قال قوم موسى له : أتسخر بنا حيث سألناك عن القتيل فتأمرنا بذبح بقرة ، استهزاء بنا؟ (قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) أي معاذ الله أن أكون من المستهزئين ، وإنما قال من الجاهلين ليدل على أن الإستهزاء لا يصدر إلّا عن جاهل ، فلما علموا أن ذبح البقرة فرض من الله تعالى سألوا عنها فبدأوا بسنها فقالوا (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ) أي سل من أجلنا ربك (يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) ولم يظهر في السؤال أن