(وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) معناه : ولا ينقص ربك ثواب محسن ، ولا يزيد في عقاب مسيء وفي هذا دلالة على انه سبحانه لا يعاقب الأطفال لأنه إذا كان لا يزيد في عقوبة المذنب فكيف يعاقب من ليس بمذنب.
٥٠ ـ ٥٢ ـ (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) قد مرّ تفسيره وإنما تقرر هذا القول في القرآن لأجل ما بعده مما يحتاج اتصاله به (كانَ مِنَ الْجِنِ) من قال ان ابليس لم يكن من الملائكة استدلّ بهذا لأن الجن غير الملائكة ، كما انهم غير الانس (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) أي خرج عن طاعة ربه. ثم خاطب الله سبحانه المشركين فقال (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) معناه : أفتتبعون أمر إبليس وأمر ذريته ، وتتخذونهم أولياء تتولونهم بالطاعة من دوني وهم جميعا أعداء لكم؟ والعاقل حقيق بأن يتّهم عدوّه على نفسه وهذا استفهام بمعنى الإنكار والتوبيخ قال مجاهد ذريته الشياطين وقال الحسن الجن من ذريته (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) تقديره بئس البدل للظالمين بدلا ومعناه : بئس ما استبدلوا بعبادة ربهم إذ أطاعوا إبليس عن الحسن وقيل بئس البدل طاعة الشيطان عن طاعة الرحمن عن قتادة (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) أي ما أحضرت إبليس وذريته خلق السماوات والأرض ، ولا خلق أنفسهم مستعينا بهم على ذلك ، ولا استعنت ببعضهم على خلق بعض ، وهذا اخبار عن كمال قدرته واستغنائه عن الأنصار والأعوان ، ويدل عليه قوله (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) أي الشياطين الذين يضلون الناس أعوانا يعضدونني عليه ، وكثيرا ما يستعمل العضد بمعنى العون وقيل معناه : ما أحضرت مشركي العرب وهؤلاء الكفّار خلق السماوات والأرض ، ولا خلق أنفسهم ، أي وما أحضرت بعضهم خلق بعض ، فمن أين قالوا : الملائكة بنات الله ، ومن أين أدعو ذلك؟ (وَيَوْمَ يَقُولُ) يريد يوم القيامة يقول الله للمشركين وعبدة الأصنام (نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) في الدنيا انهم شركائي ليدفعوا عنكم العذاب (فَدَعَوْهُمْ) يعني المشركين يدعون أولئك الشركاء الذين عبدوهم مع الله (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) أي فلا يستجيبون لهم ، ولا ينفعونهم شيئا (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ) أي بين المؤمنين والكافرين (مَوْبِقاً) وهو اسم واد عميق فرّق الله به سبحانه بين أهل الهدى وأهل الضلالة ، عن مجاهد وقتادة ، وقيل : بين المعبودين وعبدتهم موبقا : أي حاجزا ، عن ابن الاعرابي ، أي فأدخلنا من كانوا يزعمون انهم معبودهم مثل الملائكة والمسيح الجنة ، وأدخلنا الكفّار النار ، وقيل معناه : جعلنا تواصلهم في الدنيا موبقا ، أي مهلكا لهم في الآخرة ، عن الفراء ، وروي ذلك عن قتادة وابن عباس ، فالبيّن على هذا القول معناه : التواصل ، والمعنى : ان تواصلهم وتوادهم في الكفر صار سبب هلاكهم في الآخرة ، وقيل : موبقا : عداوة ، عن الحسن ، فكأنّه قال : عداوة مهلكة.
٥٣ ـ ٥٦ ـ ثم بيّن سبحانه حال المجرمين فقال (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ) يعني المشركين رأوا النار وهي تتلظى حنقا عليهم عن ابن عباس ، وقيل : هو عام في أصحاب الكبائر (فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) أي علموا أنهم داخلون فيها ، واقعون في عذابها (وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) أي معدلا وموضعا ينصرفون إليه ليتخلصوا منها (وَلَقَدْ صَرَّفْنا) أي بيّنا (فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) وتصريفها ترديدها من نوع واحد وأنواع مختلفة ليتفكروا فيها وقد مرّ تفسيره في بني إسرائيل (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) يريد بالإنسان النضر بن الحارث عن ابن عباس (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ) معناه : ما منعهم من الإيمان بعد مجيء الدلالة ، ومن ان يستغفروا ربهم على ما سبق من معاصيهم (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) أي إلّا طلب أن تأتيهم العادة في الأولين من عذاب الاستئصال حيث آتاهم العذاب