من حيث لا يشعرون حين امتنعوا من قبول الهدى والإيمان (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً) أو يأتيهم عيانا مقابلة من الكفار يرونه ثم بيّن سبحانه انه قد أزاح العلة ، وأظهر الحجة ، وأوضح المحجة فقال (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) أي لم نرسل الرسل إلى الخلق إلّا مبشرين لهم بالجنة إذا أطاعوا ، او مخوفين لهم بالنار إذا عصوا (وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ) أي ويناظر الكفّار دفعا عن مذاهبهم بالباطل (لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ) أي ليزيلوا الحق عن قراره قال ابن عباس : يريد المستهزئين والمقتسمين واتباعهم وجدالهم بالباطل : انهم الزموه أن يأتي بالآيات على أهوائهم على ما كانوا يقترحونه ليبطلوا به ما جاء به محمد (ص) يقال : ادحضت حجته أي أبطلتها (وَاتَّخَذُوا آياتِي) يعني القرآن (وَما أُنْذِرُوا) أي ما تخوفوا به من البعث والنار (هُزُواً) استهزؤوا به.
٥٧ ـ ٥٩ ـ ثم قال سبحانه (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها) معناه : ليس أحد أظلم لنفسه ممن ذكر : أي وعظ بالقرآن وآياته ، ونبّه على أدلة التوحيد فأعرض عنها جانبا (وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) أي نسي المعاصي التي استحق بها العقاب وقيل معناه تذكر واشتغل عنه استخفافا به وقلة معرفة بعاقبته لأنه نسي ذلك ثم قال سبحانه (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) وهي جمع كنان (أَنْ يَفْقَهُوهُ) أي كراهة ان يفقهوه (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) أي ثقلا ، وقد تقدّم بيان هذا فيما مضى وجملته انه على التمثيل كما قال في موضع آخر : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً) فالمعنى : كأنّ على قلوبهم أكنة ان يفقه ، وفي آذانهم وقرا ان يسمع (وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً) أخبر سبحانه انهم لا يؤمنون أبدا ، وقد خرج مخبره موافقا لخبره فماتوا على كفرهم (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ) معناه : وربك الساتر على عباده الغافر لذنوب المؤمنين ، ذو النعمة والإفضال على خلقه وقيل الغفور للتائب ذو الرحمة للمصر بأن يمهل ولا يعجل وقيل الغفور لا يؤاخذهم عاجلا ، ذو الرحمة يؤخرهم ليتوبوا (لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ) في الدنيا (بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ) وهو يوم القيامة والبعث (لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) أي ملجأ وقيل منجاينجيهم (وَتِلْكَ الْقُرى) اشارة إلى قرى عاد وثمود وغيرهم (أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) بتكذيب أنبياء الله ، وجحود آياته (وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ) أي وجعلنا لوقت اهلاكهم (مَوْعِداً) معلوما يهلكون فيه لمصلحة اقتضت تأخيره اليه.
٦٠ ـ ٦٤ ـ (وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ) يوشع بن نون ، وسماه فتاه ، قال الرضا (ع) أتى موسى العالم فأصابه في جزيرة من جزائر البحر فسلّم عليه موسى فأنكر السلام إذ كان بأرض ليس بها سلام قال : من أنت قال : أنا موسى بن عمران قال : أنت موسى ابن عمران الذي كلمه الله تكليما قال : نعم قال : فما حاجتك قال : جئت لتعلمني مما علمت رشدا قال : إني وكلت بأمر لا تطيقه ، ووكلت بأمر لا أطيقه (لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) معناه : لا أزال أمضي وأمشي ولا أسلك طريقا آخر حتى أبلغ ملتقى البحرين ، بحر فارس وبحر الروم (أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) أي دهرا (فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما) أي فلما بلغ الموضع الذي يجتمع فيه رأس البحرين (نَسِيا حُوتَهُما) أي تركاه وقيل انه ضلّ الحوت عنهما حين اتخذ سبيله في البحر سربا ، فسمّي ضلاله عنهما نسيانا ، وقيل : انه من النسيان ، والناسي له كان أحدهما ، وهو يوشع ، فأضيف النسيان إليهما ، كما يقال : نسي القوم زادهم ، إذا نسيه متعهد أمرهم (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً) أي فاتخذ الحوت طريقه في البحر مسلكا يذهب فيه ، وذلك ان موسى وفتاه تزودا حوتا مملوحا ثم انطلقا يمشيان على شاطىء البحر حتى انتهيا إلى صخرة