على ساحل البحر فأويا اليها ، وعندها عين ماء تسمى عين الحياة ، فجلس يوشع بن نون وتوضأ من تلك العين فانتضح على الحوت شيء من ذلك الماء فعاش ووثب في الماء وجعل يضرب ، بذنبه الماء فكان لا يسلك طريقا في البحر إلّا صار ماء جامدا ، فذلك معنى قوله : فاتخذ سبيله في البحر سربا (فَلَمَّا جاوَزا) ذلك المكان (قالَ) موسى (لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا) انهما انطلقا بقية يومهما وليلتهما فلما كان من الغد قال موسى ليوشع آتنا غداءنا : أي أعطنا ما نتغدى به (لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) أي تعبا وشدة (قالَ) له يوشع عند ذلك (أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) ومعناه : ان يوشع تذكر قصة الحوت لما دعا موسى بالطعام ليأكل فقال له : أرأيت حين رجعنا إلى الصخرة ونزلنا هناك فإني تركت الحوت وفقدته (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) وذلك انه لو ذكر لموسى (ع) قصة الحوت عند الصخرة لما جاوزها موسى ، ولما ناله النصب الذي أشكاه (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً) أي سبيلا عجبا وهو ان الماء انجاب عنه وبقي كالكوة لم يلتئم (قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ) قال موسى ذلك ما كنا نطلب من العلامة (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما) أي رجعا وعادا في الطريق الذي جاءا منه يقصان آثارهما (قَصَصاً) أي ويتبعانها.
٦٥ ـ ٧٥ ـ (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا) أي صادف موسى وفتاه وأدركا عبدا من عبادنا قائما على الصخرة يصلي وهو الخضر (ع) ، واسمه بليا بن ملكان ، وإنما سمي خضرا لأنه إذا صلّى في مكان أخضرّ ما حوله ، فسلّم عليه فقال : وعليك السلام يا نبيّ بني إسرائيل. فقال له موسى : ومن أدراك من أنا ومن أخبرك أني نبيّ؟ قال : من ذلك عليّ ومتى قيل : كيف يكون نبي أعلم من موسى في وقته؟ قلنا : يجوز أن يكون الخضر خصّ بعلم ما لا يتعلق بالأداء فاستعلم موسى من جهته ذلك العلم فقط وإن كان موسى أعلم منه في العلوم التي يؤدّيها من قبل الله تعالى (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) يعني النبوة ، وقيل : طول الحياة (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) قال الصادق (ع): كان عنده علم لم يكتب لموسى (ع) في الألواح ، وكان موسى يظن ان جميع الأشياء التي يحتاج اليها في تابوته ، وان جميع العلم قد كتب له في الألواح (قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) أي علما ذا رشد قال قتادة لو كان أحد مكتفيا من العلم لأكتفى نجي الله موسى ولكنّه قال هل اتبعك الآية. عظّمه (ع) بهذا القول غاية التعظيم حيث أضاف العلم اليه ورضي باتباعه وخاطبه بمثل هذا الخطاب ، والرشد : العلوم الدينية التي ترشد إلى الحق (قالَ) العالم (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) أي يثقل عليك ، ولم يرد انه لا يقدر على الصبر ، وإنما قال ذلك لأن موسى (ع) كان يأخذ الأمور على ظواهرها ، والخضر كان يحكم بما أعلمه الله من بواطنها ، فلا يسهل على موسى مشاهدة ذلك ، ثم قال (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً) أي كيف تصبر على ما ظاهره عندك منكر وأنت لم تعرف باطنه ولم تعلم حقيقته؟ والخبر : العلم (قالَ) موسى (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً) أي أصبر على ما أرى منك (وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) تأمرني به ، ولا أخالفك فيه. قال الزجاج : وفيما فعله موسى عليهالسلام ، وهو من جملة الأنبياء ، من طلب العلم ، والرحلة فيه ، ما يدل على انه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم وان كان قد بلغ نهايته ، وانه يجب أن يتواضع لمن هو أعلم منه ، وإنما قيّد صبره بمشيئة الله لأنه أخبر به على ظاهر الحال ، فجوّز ان لا يصبر فيما بعد ، بأن يعجز عنه ، فقال : إن شاء الله ، ليخرج بذلك أن يكون كاذبا (قالَ) الخضر له (فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي) واقتفيت أثري (فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) أي لا تسألني عن شيء أفعله مما تنكره ولا تعلم باطنه