هؤلاء فلم يغنهم ذلك لما أردنا إهلاكهم ، فحكم هؤلاء الكفار حكم أولئك في أنه لا يبقى منهم عين ولا أثر.
سورة طه
مكية وعدد آياتها مائة وخمس وثلاثون آية
١ ـ ٨ ـ (طه) قد بيّنا في أول البقرة تفسير حروف المعجم في أوائل السور والإختلاف فيه وقد قيل ان معنى طه يا رجل (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) لكن لتسعد به وتنال الكرامة به في الدنيا والآخرة. قال قتادة : وكان يصلي الليل كله ويعلق صدره بحبل حتى لا يغلبه النوم ، فأمره الله سبحانه بأن يخفف على نفسه وذكر أنه ما أنزل عليه الوحي ليتعب كل هذا التعب (إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى) معناه : لكن أنزلناه تذكرة (تَنْزِيلاً) أي أنزلناه تنزيلا (مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى) أي الرفيعة العالية. نبّه بذلك على عظم حال خالقهما ، ثم أكّد ذلك بقوله (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) أي هو الرحمن لأنه لما قال ممن خلق بيّنه بعد ذلك فقال : هو الرحمن (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي له ملك ما في السماوات وما في الأرض وتدبيرهما وعلمهما ، يعني أنه مالك كل شيء ومدبّره (وَما بَيْنَهُما) يعني الهواء (وَما تَحْتَ الثَّرى) والثرى : التراب الندي يعني وما وارى الثرى من كل شيء (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ) أي ان ترفع صوتك به (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) أي فلا تجهد نفسك برفع الصوت فإنك وإن لم تجهر علم الله السر وأخفى من السر ؛ والسر ما حدث به العبد غيره في خفية ، واخفى منه ما أضمره في نفسه ما لم يحدث به غيره عن ابن عباس وقيل السر ما أضمره العبد في نفسه ، وأخفى منه ما لم يكن ولا أضمره أحد عن قتادة وسعيد بن جبير وابن زيد وقيل السر ما تحدث به نفسك واخفى منه ما تريد أن تحدث به نفسك في ثاني الحال وقيل السر : العمل الذي تستره عن الناس وأخفى منه الوسوسة عن مجاهد وقيل معناه يعلم السر أي يعلم أسرار الخلق وأخفى أي سرّ نفسه عن زيد بن أسلم جعله فعلا ماضيا وروي عن السيدين الباقر والصادق عليهماالسلام السر ما أخفيته في نفسك وأخفى ما خطر ببالك ثم أنسيته (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) لا معبود تحق له العبادة غيره (لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) أي الأسماء الدالة على توحيده وعلى انعامه على العباد ، وعلى المعاني الحسنة فبأيّها دعوت جاز ؛ وروي عن النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم انه قال : ان لله تعالى تسعة وتسعين إسما من أحصاها دخل الجنة قال الزجاج : تأويله من وحّد الله تعالى وذكر هذه الأسماء الحسنى يريد بها توحيد الله وإعظامه دخل الجنة ، وقد جاء في الحديث : من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة.
٩ ـ ١٦ ـ ثم خاطب الله سبحانه نبيّه تسلية له مما ناله من أذى قومه ، وتثبيتا له بالصبر على أمر ربّه كما صبر موسى عليهالسلام حتى نال الفوز في الدنيا والآخرة فقال (وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) هذا ابتداء إخبار من الله تعالى على وجه التحقيق إذ لم يبلغه حديث موسى فهو كما يخبر الإنسان غيره بخبر على وجه التحقيق فيقول : هل سمعت بخبر فلان وقيل انه استفهام تقرير بمعنى الخبر أي وقد أتاك حديث موسى (إِذْ رَأى ناراً) عن ابن عباس قال : وكان موسى رجلا غيورا لا يصحب الرفقة لئلا ترى امرأته فلما قضى الأجل وفارق مدين خرج ومعه غنم له ، وكان أهله على أتان وعلى ظهرها جوالق فيها أثاث البيت ، فأضلّ الطريق في ليلة مظلمة وتفرقت ماشيته ، ولم ينقدح زنده ، وامرأته في الطلق ، فرأى نارا من بعيد كانت عند الله نورا وعند موسى نارا (فَقالَ) عند ذلك (لِأَهْلِهِ) وهي بنت شعيب كان تزوجها بمدين (امْكُثُوا) أي الزموا مكانكم قال مقاتل : وكانت ليلة الجمعة ، في الشتاء والفرق بين المكث والإقامة أن الإقامة تدوم والمكث لا يدوم (إِنِّي آنَسْتُ ناراً) أي أبصرت نارا (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ)