نجمع فيه من اتقى الله في الدنيا بطاعته ، واجتنب معاصيه إلى الرحمن : أي إلى جنته ودار كرامته وفودا وجماعات ، ركبانا يؤتون بنوق لم ير مثلها ، عليها رحائل الذهب ، وأزمتها الزبرجد ، فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة عن أمير المؤمنين (ع) (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) أي ونحثّ المجرمين على المسير إلى جهنم عطاشا كالإبل التي ترد عطاشا مشاة على أرجلهم وسمى العطاش وردا لأنهم يردون لطلب الماء (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ) أي لا يقدرون على الشفاعة فلا يشفعون ، ولا يشفع لهم حين يشفع أهل الإيمان بعضهم لبعض (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) أي لا يملكون الشفاعة إلّا هؤلاء والعهد : هو الإيمان والإقرار بوحدانية الله تعالى وتصديق أنبيائه (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) هذا اخبار عن اليهود والنصارى ومشركي العرب ، فإن اليهود قالوا : عزير بن الله وقالت النصارى : المسيح بن الله. وقال مشركو العرب : الملائكة بنات الله (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا) تقديره : قل لهم يا محمد : لقد جئتم بشيء منكر عظيم شنيع فظيع (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ) أي أرادت السماوات أن تنشق لعظم فريتهم إعظاما لقولهم ، ومعناه : لو انشقت السماوات بشيء عظيم لكانت تنشق من هذا (وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ) أي وكادت الأرض تنشق (وَتَخِرُّ الْجِبالُ) أي كادت الجبال تسقط (هَدًّا) أي هدما (أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) أي بسبب دعوتهم ، أو تسميتهم له ولدا (وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) أي ما يصلح للرحمن ، ولا يليق به اتخاذ الولد وليس من صفته ذلك ، لأن إثبات الولد له يقتضي حدوثه وخروجه من صفة الإليهة ، واتخاذ الولد يدل على الحاجة ، تعالى عن ذلك وتقدس.
٩٣ ـ ٩٨ ـ ثم قال سبحانه : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) أي كل من في السماوات والأرض من الملائكة والانس والجن إلّا ويأتي الله سبحانه عبدا مملوكا خاضعا ذليلا ، والمعنى : ان الخلق عبيده خلقهم وجرى عليهم حكمه ، وان عيسى وعزيرا والملائكة من جملة العبيد (لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا) أي علم تفاصيلهم واعدادهم فكأنه سبحانه عدّهم إذ لا يخفى عليه شيء من أحوالهم (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) أي كل واحد منهم يأتي المحشر والموضع الذي لا يملك الأمر فيه إلّا الله فردا وحيدا مفردا ليس له مال ولا ولد ولا ناصر ، مشغولا بنفسه لا يهمّه هم غيره. ثم ذكر سبحانه المؤمنين فقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) انها خاصة في علي بن أبي طالب (ع) فما من مؤمن إلّا وفي قلبه محبة لعلي (ع) عن ابن عباس : وفي تفسير أبي حمزة الثمالي حدثني أبو جعفر الباقر (ع) قال : قال رسول الله (ص) لعلي (ع) قل : اللهم اجعل لي عندك عهدا ، واجعل لي في قلوب المؤمنين ودّا ، فقالهما علي (ع) فنزلت هذه الآية ، وروي نحوه عن جابر بن عبد الله الأنصاري ثم قال سبحانه لنبيه (ص) (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ) أي يسرنا القرآن بأن أنزلناه بلسانك وهي لغة العرب ليسهل عليهم معرفته ، ولو كان بلسان آخر ما عرفوه (لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ) أي لتبشر بالقرآن الذين يتقون الشرك والكبائر ، أي تخبرهم بما تسرهم مما أعده الله لهم (وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا) أي شدادا في الخصومة ثم أنذرهم سبحانه وخوّفهم بقوله : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) أي قبل هؤلاء من قرن. مكذبين للرسل ، وفيه تسلية للنبي (ص) والمعنى : لا يهمنك كفرهم وشقاقهم فإن وبال ذلك راجع إليهم ، وقد أهلكنا قبلهم من كان مثلهم (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ) أي هل تبصر منهم أحدا (أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) أي صوتا ، عن ابن عباس وقتادة ، وقيل : حسّا ، عن ابن زيد والمعنى أنهم ذهبوا فلا يرى لهم عين ، ولا يسمع لهم صوت ، وكانوا أكثر أموالا ، وأعظم أجساما ، وأشد خصاما من