تعالى قد أهلك قبلهم أمما وجماعات كانوا أكثر أموالا ، وأحسن منظرا منهم. (قُلْ) يا محمد (مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ) عن الحق ، والعدول عن اتباعه (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) معناه : ان الله سبحانه جعل جزاء ضلالته أن يمدّ له بأن يتركه فيها كما قال : (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) أي فليعش ما شاء الله من السنين والأعوام فإنه لا ينفعه طول عمره (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ) أي عذاب الإستئصال (وَإِمَّا السَّاعَةَ) أي القيامة وعذاب النار (فَسَيَعْلَمُونَ) حين يرون العذاب (مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً) أي أهم أم المؤمنون؟ لأن مكانهم جهنم ، ومكان المؤمنين الجنة (وَأَضْعَفُ جُنْداً) أي ويعلمون أجندهم أضعف أم جند النبي (ص) والمسلمين ، وهذا ردّ لقولهم : (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا).
٧٦ ـ ٨٢ ـ ثم بيّن سبحانه حال المؤمن فقال سبحانه (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) معناه : يزيدهم هدى بالمعونة على طاعاته ، والتوفيق لابتغاء مرضاته ، وهو ما يفتحه لم من الدلالات ، وما يفعله بهم من الألطاف المقربة من الحسنات (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً) قد مرّ تفسيره في سورة الكهف وجملته : ان الأعمال الصالحة التي تبقى ببقاء ثوابها ، وتنفع صاحبها في الدنيا والآخرة ، خير ثوابا من مقامات الكفارات التي يفتخرون بها كل الإفتخار (وَخَيْرٌ مَرَدًّا) أي خير عاقبة ومنفعة ، يقال : هذا الشيء أرد عليك : أي أنفع وأعود عليك ، لأن العمل الصالح ذاهب عنه بفقده له ، فيرده الله تعالى عليه برد ثوابه إليه حتى يجده في نفسه (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا) أفرأيت كلمة تعجيب ومعناه : أرأيت هذا الكافر الذي كفر بأدلتنا من القرآن وغيره وهو العاص بن وائل ، عن ابن عباس ومجاهد (وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً) استهزاء ، أي لأعطين مالا وولدا في الجنة عن الكلبي ، وقيل : أعطي في الدنيا ، أي أن أقمت على دين آبائي ، وعبادة آلهتي ، أعطيت مالا وولدا (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ) هذه همزة الإستفهام دخلت على همزة الوصل فسقطت همزة الوصل ، ومعناه : أعلم الغيب حتى يعلم أهو في الجنة أم لا؟ (أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) أي اتخذ عند الله عهدا بعمل صالح قدّمه ، عن قتادة ، وقيل معناه : أم عهد الله إليه أن يدخل الجنة ، عن الكلبي ، وقيل معناه : أم قال : لا إله إلّا الله فيرحمهالله بها ، عن ابن عباس (كَلَّا) أي ليس الأمر على ما قال من أنه يؤتى المال والولد (سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ) أي سنأمر الحفظة بإثباته عليه لنجازيه به في الآخرة (وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا) أي نصل له بعض العذاب بالبعض ، ونزيده عذابا فوق العذاب فلا ينقطع عذابه أبدا (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ) أي ما عنده من المال والولد باهلاكنا إياه ، وإبطال ملكه (وَيَأْتِينا فَرْداً) أي يأتي الآخرة وحيدا بلا مال ولا ولد ، ولا عدة ولا عدد (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً) يعني أن هؤلاء الكفار الذين وصفتهم اتخذوا آلهة ، أي أصناما عبدوها (لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) أي ليكونوا لهم شفعاء في الآخرة وذلك أنهم رجوا منها الشفاعة والنصرة (كَلَّا) أي ليس الأمر كما ظنوا ، بل صاروا بهم إلى الذل والعذاب (سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ) أي سيجحدون بأن يكونوا عبدوها ، ويتبرؤون منها لما يشاهدون من سوء عاقبة أمرهم ويقولون والله ربنا ما كنا مشركين (وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) ويكونون قرناء لهم في النار ويلعنونهم ويتبرؤون منهم.
٨٣ ـ ٩٢ ـ (أَلَمْ تَرَ) يا محمد (أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ) أي خلينا بينهم وبين الشياطين إذا وسوسوا إليهم ، حتى اغووهم ، ولم نحل بينهم وبينهم بالإلجاء ولا بالمنع (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) أي تزعجهم من الطاعة إلى المعصية ، أي تغريهم بالشر حتى توقعهم في النار (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) معناه : فلتطب نفسك يا محمد ، ولا تستعجل لهم العذاب فإن مدة بقائهم قليلة ، فإنا نعد لهم الأيام والسنين (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) أي اذكر لهم يا محمد اليوم الذي