ومدبرهما (وَما بَيْنَهُما) من الخلائق والأشياء (فَاعْبُدْهُ) وحده لا شريك له (وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ) أي اصبر على تحمل مشقة عبادته ، ثم قال لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) أي مثلا وشبيها يستحق أن يسمى إلها إلّا هو ، عن الكلبي وقيل : هل تعلم أحدا يسمى إلها خالقا رازقا محييا مميتا قادرا على الثواب والعقاب سواه حتى تعبده؟ إذا لم تعلم ذلك فالزم عبادته ، وهذا استفهام بمعنى النفي ، أي لا تعلم من يسمى بلفظة الله.
٦٦ ـ ٧٠ ـ لما تقدّم ذكر الوعد والوعيد ، والبعث والنشور ، حكى سبحانه عقيبه قول منكري البعث ، وردّ عليهم بأوضح بيان ، وأجلى برهان فقال : (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) هذا استفهام المراد به الإنكار والإستهزاء ، أي أاذا ما متّ أعادني الله حيا؟ فقال سبحانه مجيبا لهذا الكافر (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) أي أولا يتذكر هذا الجاحد حال ابتداء خلقه فيستدل بالإبتداء على الإعادة (وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) معناه : ولم يك شيئا كائنا أو مذكورا ثم حقق سبحانه أمر الإعادة فقال (فَوَ رَبِّكَ) يا محمد (لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ) أي لنجمعنهم ونبعثنهم من قبورهم مقرنين بأوليائهم من الشياطين (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) أي مستوفزين على الركب ، والمعنى : يجثون حول جهنم متخاصمين ، ويتبرأ بعضهم من بعض ، لأن المحاسبة تكون بقرب جهنم وقيل : جثيا : أي جماعات جماعات ، عن ابن عباس ، كأنه قال : زمرا ، وهو جمع جثوة ، وجثوة هو المجموع من التراب والحجارة ، وقيل : قياما على الركب ، وذلك لضيق المكان بهم لا يمكنهم أن يجلسوا عن السدي (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) أي لنستخرجن من كل جماعة (أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) أي الأعتى فالأعتى منهم قال قتادة لننزعن من كل أهل دين قادتهم ورؤوسهم في الشر (ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا) أي لنحن أعلم بالذين هم أولى بشدة العذاب ، وأحق بعظيم العقاب ، وأجدر بلزوم النار.
٧١ ـ ٧٥ ـ ثم بيّن سبحانه أحوالهم يوم الحشر فقال : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) أي ما منكم أحد إلّا واردها ، والهاء في واردها راجعة إلى جهنم وورودها هو الوصول إليها ، والإشراف عليها لا الدخول فيها ، وهو قول ابن مسعود والحسن وقتادة واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) ، وقوله تعالى : (فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ) ، وبأنك تقول وردت بلد كذا وماء كذا : أي أشرفت عليه دخلته أو لم تدخله قال الزجاج والحجة القاطعة في ذلك قوله سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) ، فهذا يدل على أن أهل الحسنى لا يدخلونها قالوا : فمعناه : انهم واردون حول جهنم للمحاسبة ، ويدل عليه قوله : (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) ، ثم يدخل النار من هو اهلها (كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) أي كائنا واقعا لا محالة قد قضى بأنه يكون (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) الشرك وصدّقوا (وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ) أي ونقرّ المشركين والكفار على حالهم (فِيها) أي في جهنم (جِثِيًّا) أي باركين على ركبهم (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) ومعناه : وإذا يتلى على الكافرين آياتنا المنزلة في القرآن (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً) أي قال الذين جحدوا وحدانية الله ، وكذّبوا أنبياءه ، للذين صدقوا بذلك مستفهمين لهم وغرضهم الإنكار : أي الفريقين : أي أنحن أم أنتم خير منزلا ومسكنا : أي موضع إقامة (وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) أي مجلسا ، وإنما تفاخروا بالمال وزينة الدنيا ولم يتفكروا في العاقبة ، ولبسوا على الضعفة بأن من كان ذا مال في الدنيا فكذلك يكون في الآخرة ، ثم نبّههم سبحانه على فساد هذا الإعتقاد بأن قال : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً) قال ابن عباس : الأثاث : المتاع وزينة الدنيا ، والرءي : المنظر والهيئة ، والمعنى : ان الله