لأنه بلغ من جهله أنه لا يعتقد دين إلّا بإذنه والفرق بين الأذن والأمر أنّ في الأمر دلالة على إرادة الأمر الفعل المأمور به وليس في الإذن ذلك وقوله (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) إذن وقوله (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) أمر (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) معناه : انه لاستاذكم وأنتم تلامذته وقد يعجز التلميذ عمّا يعمله الأستاذ وقيل انه لرئيسكم ومتقدمكم وأنتم أشياعه وأتباعه ما عجزتم عن معارضته ، ولكنكم تركتم معارضته احتشاما له واحتراما ؛ وإنما قال ذلك ليوهم العوام أن ما أتوا به إنما هو لتواطؤ من جهتهم ليصرفوا وجوه الناس إليهم (فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) أي أيديكم اليمنى وأرجلكم اليسرى (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) أي على جذوع النخل (وَلَتَعْلَمُنَ) أيها السحرة (أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً) لكم (وَأَبْقى) وأدوم أنا على إيمانكم أم ربّ موسى على ترككم الإيمان به (قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ) أي لن نفضلك ولن نختارك على ما أتانا من الأدلة الدالة على صدق موسى وصحّة نبوته والمعجزات التي تعجز عنها قوى البشر (وَالَّذِي فَطَرَنا) أي وعلى الذي فطرنا أي خلقنا وقيل معناه لن نؤثرك والله الذي فطرنا على ما جاءنا من البينات وما ظهر لنا من الحق (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) أي فاصنع ما أنت صانعه على إتمام وإحكام وقيل معناه فاحكم ما أنت حاكم وليس هذا بأمر منهم ولكن معناه أي شيء صنعت فإنا لا نرجع عن الإيمان (إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا) أي انما تصنع بسلطانك أو تحكم في هذه الحياة الدنيا دون الآخرة فلا سلطان لك فيها ولا حكم وقيل معناه انما تقضي وتذهب هذه الحياة الدنيا دون الحياة الآخرة (إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا) من الشرك والمعاصي (وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ) إنما قالوا ذلك لأن الملوك كانوا يجبرونهم على تعليم السحر كيلا يخرج السحر من أيديهم وقيل ان السحرة قالوا لفرعون أرنا موسى إذا نام فأراهم إياه فإذا هو نائم وعصاه تحرسه ، فقالوا : ليس هذا بسحر ، ان الساحر إذا نام بطل سحره ؛ فأبى عليهم إلا أن يعملوا فذلك إكراههم عن عبد العزيز بن أبان (وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى) أي والله خير لنا منك ، وثوابه أبقى لنا من ثوابك وقيل معناه والله خير ثوابا للمؤمنين وأبقى عقابا للعاصين منك وهذا جواب لقوله (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى). وها هنا انتهى الأخبار عن السحرة ثم قال الله سبحانه : (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً) وقيل : انه قول السحرة. قال ابن عباس في رواية الضحاك المجرم الكافر وفي رواية عطا يعني الذي أجرم وفعل مثل ما فعل فرعون (فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها) فيستريح من العذاب (وَلا يَحْيى) حياة فيها راحة ، بل هو معاقب بأنواع العقاب (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً) مصدقا بالله وبأنبيائه (قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ) أي أدّى الفرائض عن ابن عباس (فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى) يعني درجات الجنة وبعضها أعلى من بعض والعلى جمع العليا وهي تأنيث الأعلى (جَنَّاتُ عَدْنٍ) أي إقامة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى) معناه أن الثواب الذي تقدّم ذكره جزاء من تطهّر بالإيمان والطاعة عن دنس الكفر والمعصية وقيل تزكى طلب الزكاء بإرادة الطاعة والعمل بها.
٧٧ ـ ٨٦ ـ ثم أخبر سبحانه عن حال بني إسرائيل فقال : (وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى) بعد ما رأى فرعون من الآيات فلم
__________________
من خطبة لأمير المؤمنين عليهالسلام : تعلّموا القرآن فإنه أحسن الحديث ، وتفقّهوا فيه فإنه ربيع القلوب ، واستشفوا بنوره فإنّه شفاء الصدور ، وأحسنوا تلاوته فإنّه أحسن القصص ، فإنّ العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله ، بل الحجّة عليه أعظم ، والحسرة له ألزم ، وهو عند الله الوم. نهج البلاغة. خطبة : ١٠٦