على النداء نحويا ويلنا فيكون الدعاء بالويل عليهم (لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً) أي لا تشركوا مع الله أحدا عن ابن عباس وقيل : لا تكذبوا على الله بأن تنسبوا معجزاتي إلى السحر (فَيُسْحِتَكُمْ) أي يستأصلكم (بِعَذابٍ) يهلككم (وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى) أي خسر من كذب على الله ونسب إليه باطلا (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) أي تشاور القوم وتفاوضوا في حديث موسى وهارون وفرعون وجعل كل واحد منهم ينازع لكلام صاحبه (وَأَسَرُّوا النَّجْوى) يعني أن السحرة أخفوا كلامهم وتناجوا فيما بينهم سرّا من فرعون فقالوا : إن غلبنا موسى اتبعناه : (قالُوا إِنْ هذانِ) يعني موسى وهارون (لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما) قال فرعون وجنوده للسحرة ويريدون بالأرض أرض مصر (وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) أي يريدان أن يصرفا وجوه الناس إليهما وقيل : ان طريقتهم المثلى بنو إسرائيل كانوا أكثر القوم عددا وأموالا ، أي يريدان أن يذهبا بهم لأنفسهم وقيل : يذهبا بطريقتكم التي أنتم عليها في السيرة والدين (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ) أي لا تدعون من كيدكم شيئا إلا جئتم به (ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا) أي مصطفين مجتمعين ليكون أنظم لأموركم ، وأشد لهيبتكم ، عن ابن عباس وأكثر المفسرين ؛ وقيل : ثم ائتوا موضع الجمع ، ويسمى المصلى الصف ، عن أبي عبيدة ، والمعنى : ثم ائتوا الموضع الذي تجتمعون فيه لعيدكم وصلاتكم (وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى) أي وقد سعد اليوم من غلب وعلا (قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى) هذا قول السحرة خيّروه بين أن يلقوا أولا ما معهم أو يلقي موسى عصاه ثم يلقون ما معهم (قالَ) موسى (بَلْ أَلْقُوا) أنتم ما معكم ، أمرهم بالإلقاء أولا ليكون معجزة أظهر إذا ألقوا ما معهم ثم يلقي هو عصاه فتبتلع ذلك (فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) أي يرى الحبال من سحرهم أنها تسير وتعدوا مثل سير الحيات ؛ وإنما قال (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ) لأنها لم تكن تسعى حقيقة ، وإنما تحركت لأنّهم جعلوا داخلها الزئبق فلما حميت الشمس طلب الزئبق الصعود فحركت الشمس ذلك فظنّ أنّها تسعى.
٦٧ ـ ٧٦ ـ (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) معناه فأحسّ موسى ووجد في نفسه ما يجده الخائف ويقال : أوجس القلب فزعا أي أضمر ، والسبب في ذلك أنه خاف أن يلتبس على الناس أمرهم فيتوهموا أنهم فعلوا مثل فعله ويظنّوا المساواة فيشكوا ولا يتّبعونه عن الجبائي وقيل : انه خوف الطباع إذا رأى الإنسان أمرا فظيعا فإنّه يحذره ويخافه في أول وهلة وقيل : انه خاف أن يتفرق الناس قبل إلقائه العصا وقبل أن يعلموا ببطلان السحرة فيبقوا في شبهة (قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) عليهم بالظفر والغلبة (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ) يعني العصا (تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) أي تبتلع ما صنعوا من الحبال والعصي لأن الحبال والعصي أجسام ليست من صنعهم. قالوا : ولما ألقى عصاه صارت حية وطافت حول الصفوف حتى رآها الناس كلهم ثم قصدت الحبال والعصي فابتلعتها كلها على كثرتها ، ثم أخذها موسى فعادت عصا كما كانت (إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ) أي أن الذي صنعوه أو أن صنيعهم كيد ساحر : أي مكره وحيلته (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ) أي لا يظفر الساحر ببغيته إذ لا حقيقة للسحر (حَيْثُ أَتى) أي حيث كان من الأرض وقيل لا يفوز الساحر حيث أتى بسحره ، لأن الحق يبطله (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً) هاهنا محذوف وهو فألقى عصاه وتلقف ما صنعوا فألقي السحرة سجدا أي سجدوا و (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى) أضافوه سبحانه إليهما لدعائهما إليه ، وكونهما رسولين له (قالَ) فرعون للسحرة (آمَنْتُمْ لَهُ) أي لموسى (قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) أي من غير إذني