ومنكحه وغير ذلك من ضروب هدايته عن مجاهد وعطية ومقاتل ، وقيل معناه : أعطى كلّ شيء مثل خلقته ، أي زوجه من جنسه ، ثم هداه لنكاحه ، عن ابن عباس والسدي (قالَ) فرعون (فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) أي فما حال الأمم الماضية فإنها لم تقرّ بالله وما تدعو إليه ، بل عبدت الأوثان. ويعني بالقرون الأولى مثل قوم نوح وعاد وثمود (قالَ) موسى (عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) أي أعمالهم محفوظة عند الله يجازيهم بها والتقدير : علم أعمالهم لها عند ربّي (فِي كِتابٍ) يعني اللوح المحفوظ ؛ والمعنى أن أعمالهم مكتوبة مثبتة عليهم وقيل : المراد بالكتاب ما يكتبه الملائكة (لا يَضِلُّ رَبِّي) أي لا يذهب عليه شيء وقيل معناه : لا يخطىء ربّي (وَلا يَنْسى) من النسيان عن أبي مسلم ، أي لا ينسى ما كان من أمرهم بل يجازيهم بأعمالهم وقيل معناه : لا يغفل ولا يترك شيئا عن السدي. ثم زاد في الإخبار عن الله تعالى فقال (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) أي فرشا ومهادا أي فراشا (وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) والسلك إدخال الشيء في الشيء ، والمعنى أدخل لكم أي لأجلكم في الأرض طرقا تسلكونها وقال ابن عباس : سهل لكم فيها طرقا (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) يعني المطر. وتمّ الإخبار عن موسى ، ثم أخبر الله سبحانه عن نفسه فقال موصولا بما قبله من الكلام (فَأَخْرَجْنا بِهِ) أي بذلك الماء (أَزْواجاً) أي أصنافا (مِنْ نَباتٍ شَتَّى) أي مختلفة الألوان : أحمر وأبيض وأخضر وأصفر وكل لون منها زوج ، وقيل : مختلفة الألوان والطعوم والمنافع (كُلُوا) أي مما أخرجنا لكم بالمطر من النبات والثمار (وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ) أي وأسيموا مواشيكم فيما أنبتناه بالمطر واللفظ للأمر والمراد الإباحة والتذكير بالنعمة (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي فيما ذكر (لَآياتٍ) أي دلالات (لِأُولِي النُّهى) أي لذوي العقول الذين ينتهون عمّا حرّم الله عليهم عن الضحاك وقيل لذوي الورع عن قتادة وقيل لذوي التقى عن ابن عباس (مِنْها خَلَقْناكُمْ) أي من الأرض خلقنا أباكم آدم عليهالسلام (وَفِيها نُعِيدُكُمْ) أي وفي الأرض نعيدكم إذا أمتناكم (وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) أي دفعة أخرى إذا حشرناكم (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ) يعني فرعون (آياتِنا كُلَّها) يعني الآيات التسع ، أي معجزاتنا الدالة على نبوة موسى (فَكَذَّبَ) بجميع ذلك (وَأَبى) أن يؤمن به وقيل معناه فجحد الدليل وأبى القبول ولم يرد سبحانه بذلك جميع آياته التي يقدر عليها ولا كل آية خلقها وإنما أراد كل الآيات التي أعطاها موسى.
٥٧ ـ ٦٦ ـ ثم حكى سبحانه عن فرعون أنه نسب موسى إلى السحر تلبيسا على قومه بأن قال (قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى) أي من أرض مصر (فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ) أي مثل ما أتيت به (فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً) أي اضرب بيننا وبينك موعدا مكانا يعد لحضورنا ذلك المكان لا يقع منا في حضوره خلاف ؛ ثم وصف المكان بأنه تستوي مسافته على الفريقين ومكانا بدل عن موعد وقيل مكانا سوى أي عدلا بيننا وبينك عن قتادة وقيل منصفا بكون النصف بيننا وبينك عن مجاهد (قالَ) موسى (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) وكان يوم لهم فسمي يوم الزينة لأن الناس يتزيّنون فيه ويزينون به الأسواق ، عن مجاهد وقتادة والسدي (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) يعني ضحى ذلك اليوم ، ويريد بالناس أهل مصر يقول يحشرون إلى العيد ضحى فينظرون إلى أمري وأمرك فيكون ذلك أبلغ في الحجة ، وأبعد من الشبهة (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ) أي انصرف وفارق موسى على هذا الوعد (فَجَمَعَ كَيْدَهُ) أي حيلته ومكره وذلك جمع السحرة (ثُمَّ أَتى) أي حضر الموعد (قالَ لَهُمْ مُوسى) أيّ قال للسحرة لأنهم احضروا ما عملوا من السحر ليقابلوا بمعجزة موسى فوعظهم فقال (وَيْلَكُمْ) وهي كلمة وعيد وتهديد معناه : ألزمكم الله الويل والعذاب ، ويجوز أن يكون