انها حملته إلى بيتها آمنة مطمئنة قد جعل لها فرعون أجرة على الرضاع (وَقَتَلْتَ نَفْساً) قتل قبطيا كافرا عن ابن عباس (فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِ) أي من غمّ القتل وكربه لأنه خاف أن يقتصوا منه بالقبطي (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) معناه : وخلّصناك من محنة بعد محنة منها : انه حملته في السنة التي كان فرعون يذبح الأطفال فيها ، ثم القاؤه في اليم ، ثم منعه من الرضاع إلا من ثدي أمه ، ثم جرّه لحية فرعون حتى همّ بقتله ، ثم تناوله الجمرة بدل الدرة ، فدرأ ذلك عنه قتل فرعون ، ثم مجيء رجل من شيعته يسعى ليخبره بما عزموا عليه من قتله ، فيكون المعنى : وخلّصناك من المحن تخليصا وقيل معناه وشددنا عليك التعمد في أمر المعاش حتى رعيت لشعيب (فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) أي لبثت فيهم حين كنت راعيا لشعيب (ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى) أي في الوقت الذي قدر لارسالك نبيّا (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) معناه : اخترتك لإقامة حجتي ، وجعلتك بيني وبين خلقي (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي) أي بحججي ودلالاتي (وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي) أي ولا تضعفا في رسالتي (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ) كرّر الأمر بالذهاب للتأكيد (إِنَّهُ طَغى) أي جاوز الحدّ في الطغيان (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) أي ارفقا به في الدعاء والقول ولا تغلظا له في ذلك ، وقيل : معناه كنياه ، وكنيته أبو الوليد وقيل : هو أن موسى أتاه فقال له : تسلم وتؤمن برب العالمين على أن لك شبابك فلا تهرم ، وتكون ملكا لا ينزع الملك منك حتى تموت ، ولا تنزع منك لذة الطعام والشراب والجماع حتى تموت ، فإذا متّ دخلت الجنة ، فأعجبه ذلك وكان لا يقطع أمرا دون هامان وكان غائبا ، فلما قدم هامان أخبره بالذي دعاه إليه ، وأنه يريد أن يقبل منه ، فقال هامان : قد كنت أرى أن لك عقلا ، وأن لك رأيا ، بينا أنت ربّ وتريد أن تكون مربوبا ، وبينا أنت تعبد وتريد أن تعبد ، فقلبه عن رأيه (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) أي ادعواه على الرجاء والطمع لا على اليأس من فلاحه فوقع التعبد لهما على هذا الوجه لأنه أبلغ لهما في دعائه إلى الحق. قال الزجاج والمعنى في هذا عند سيبويه : اذهبا على رجائكما وطمعكما والعلم من الله قد أتى من وراء ما يكون ، وإنما يبعث الرسل وهم يرجون ويطمعون أن يقبل منهم ، والمراد : بيان الغرض بالبعثة ، أي ليتذكر ما أغفل عنه من ربوبية الله تعالى ، وعبودية نفسه ويخشى العقاب والوعيد في قوله سبحانه : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً).
٤٥ ـ ٥٦ ـ لمّا أمر الله سبحانه موسى وهارون أن يمضيا إلى فرعون ويدعواه إليه (قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا) أي نخشى أن يتقدم فينا بعذاب ويعجّل علينا (أَوْ أَنْ يَطْغى) أي يجاوز الحدّ في الإساءة بنا (قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما) معناه : إني ناصركما وحافظكما (أَسْمَعُ) ما يسأله منكما فألهمكما جوابه (وَأَرى) ما يقصدكما به فأدفعه عنكما. ثم فسّر سبحانه ما أجمله فقال (فَأْتِياهُ) أي فأتيا فرعون (فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) أي أرسلنا إليك خالقك بما ندعو إليه (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) أي اطلقهم واعتقهم عن الإستعباد (وَلا تُعَذِّبْهُمْ) بالإستعمال في الأعمال الشاقة (قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ) أي بدلالة واضحة ومعجزة لائحة من ربّك تشهد لنا بالنبوة (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) معناه : ان من اتبع الهدى سلم من عذاب الله (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) أي إنما يعذب الله سبحانه من كذب بما جئنا به واعرض عنه ، فأما من اتبعه فإنه يسلم من العذاب (قالَ) لهما فرعون (فَمَنْ رَبُّكُما) أي فمن ربّك وربّه (يا مُوسى) وتقديره : فمن ربّكما يا موسى وهارون (قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) معناه : أعطى كل شيء خلقته ، أي صورته التي قدّرها له (ثُمَّ هَدى) أي هداه إلى مطعمه ومشربه