وتعملوا به فتستحقّوا الثواب (أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) أي مدة مفارقتي إياكم (أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ) أي يجب عليكم (غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ) بعبادتكم العجل ، والمعنى : أم أردتم أن تصنعوا صنعا يكون سببا لغضب ربكم (فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) أي ما وعدتموه لي من حسن الخلافة بعدي ؛ ويبين ذلك قوله (بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي) وقيل : إن إخلافهم موعده أنه أمرهم اللحاق به فتركوا المسير على أثره للميقات وقيل : هو أنه أمرهم أن يتمسّكوا بطريقة هارون وطاعته ويعملوا بأمره إلى أن يرجع فخالفوه.
٨٧ ـ ٩٦ ـ (قالُوا) أي قال الذين لم يعبدوا العجل (ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) أي ونحن نملك من أمرنا شيئا ، والمعنى : انا لم نطق ردّ عبدة العجل عن عظيم ما ارتكبوه للرهبة لكثرتهم وقلتنا. وجاء في الرواية : ان الذين لم يعبدوا العجل كانوا إثني عشر ألفا ، والذين عبدوا كانوا ستمائة ألف رجل (وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) معناه : ولكنا حملنا أثقالا من حلي آل فرعون وهو ما استعاروه من حليهم حين أرادوا السير. وقيل : هو ما ألقاه البحر على الساحل من ذهبهم وفضتم وحليهم بعد اغراقهم فأخذوه وقيل : هو من أثقال الذنوب والآثام أي حملنا آثاما من حلي القوم لأنهم استعاروا حليا من القبط ليتزيّنوا بها في عيد كان لهم ثم لم يردوها عليهم عند الخروج من مصر مخافة أن يعلموا بخروجهم ، فحملوها وكان ذلك ذنبا منهم إذ كانوا مستأمنين فيما بينهم (فَقَذَفْناها) أي ألقيناها في النار لتذوب (فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُ) معناه : فمثل ما ألقينا نحن من هذا الحلي في النار ألقى السامري أيضا فاتبعناه (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً) أي أخرج لهم من ذلك عجلا جسيما (لَهُ خُوارٌ) أي صوت ، وقد ذكرنا صفة العجل في سورة الأعراف (فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى) أي قال السامري ومن تبعه من السفلة والعوام : هذا العجل معبودكم ومعبود موسى (فَنَسِيَ) أي فنسي السامري أي ترك ما كان عليه من الإيمان الذي بعث الله به موسى. ثم احتج سبحانه عليهم فقال : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) أي أفلا يرى بنو إسرائيل أن العجل الذي عبدوه واتخذوه إلها لا يرد عليهم جوابا (وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) ومن كان بهذه الصفة فإنه لا يصلح للعبادة (وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ) أي من قبل عود موسى إليهم (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ) أراد فتنكم السامري به وأضلكم (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي) أي اتبعوني في ما أدعوكم إليه (وَأَطِيعُوا أَمْرِي) في عبادة الله ولا تتبعوا السامري ولا تطيعوا أمره في عبادة العجل (قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ) معناه : لا نزال مقيمين على عبادته (حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) فننظر أيعبد كما عبدناه أم لا ، فاعتزلهم هارون في اثني عشر ألفا ، فلما رجع موسى عليهالسلام وهو ممتلىء غيظا منهم ومن عبادتهم العجل وسمع الصياح والجلبة إذ كانوا يرقصون حول العجل ويضربون الدفوف والمزامير ، واستقبله هارون فألقى الألواح وأخذ يعاتب هارون (قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ) أي هلا تتبعني بمن أقام على إيمانه (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) فيما أمرتك به ، يريد قوله : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) ، فلما أقام معهم ولم يبالغ في منعهم نسبه إلى عصيانه وقيل : ان صورته صورة الإستفهام والمراد به التقرير ، لأن موسى عليهالسلام كان يعلم أن هارون لا يعصيه في أمره (قالَ) هارون (يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) قد فسرناه في سورة الأعراف ، وقيل : كانت العادة جارية في القبض عليهما في ذلك الزمان كما أن العادة في زماننا هذا القبض على اليد والمعانقة وذلك مما تختلف العادة فيه بالأزمنة والأمكنة ، ثم بيّن عليهالسلام عذره في مقامه معهم فقال : (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ) يعني اني لو فارقتهم أو قاتلتهم لصاروا أحزابا وتفرقوا فرقا ففريق