يلحقون بك معي ، وفريق يقيمون مع السامري على عبادة العجل ، وفريق يتوقفون شاكين في أمره ، مع اني لم آمن ان تركتهم أن يصيروا بالخلاف إلى تسافك الدماء وشدة التصميم والثبات على اتباع السامري ، فإنهم كانوا يمتنعون بعض الإمتناع بمكاني فيهم ، وكنت أوجه إليهم من الإنكار مقدار ما يتحمله الحال وذلك قوله : (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ) ، فاعتذر بما يقبل مثله لأنه وجه واضح من وجوه الرأي وقوله (وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) معناه : ولم تحفظ وصيتي ولم تعمل به حين قلت : اخلفني في قومي واصلح ولما ظهرت براءة ساحة هارون اقبل على السامري (قالَ) له (فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُ) أي ما شأنك وما دعاك إلى ما صنعت؟ فكأنّه قال : ما هذا الخطب والأمر العظيم الذي أحدثت وما حملك عليه؟ (قالَ) السامري (بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) أي رأيت ما لم يروه ، وقيل : معناه علمت ما لم يعلموا من البصيرة (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) أي قبضت قبضة تراب من أثر قدم جبرائيل (فَنَبَذْتُها) في العجل (وَكَذلِكَ) أي وكما حدّثتك يا موسى (سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) أي زيّنت لي نفسي من أخذ القبضة وإلقائها في صورة العجل.
٩٧ ـ ١٠٧ ـ ثم حكى سبحانه عن موسى عليهالسلام (قالَ) للسامري (فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ) انه أمر الناس أن لا يخالطوه ولا يجالسوه ولا يؤاكلوه تضييقا عليه ؛ ومعنى لا مساس : لا يمس بعضنا بعضا ، فصار السامري يهيم في البرية مع الوحش والسباع لا يمس أحدا ولا يمسه أحد عاقبه الله تعالى بذلك ، وكان إذا لقي أحدا يقول : لا مساس ، أي لا تقربني ولا تمسّني ، وصار ذلك ، عقوبة له ولولده ، حتى أنّ بقاياهم اليوم يقولون ذلك ، وإنّ مسّ واحد من غيرهم واحدا منهم حمّ كلاهما في الوقت (وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ) أي وعدا لعذابك ، يعني يوم القيامة لن تخلف ذلك الوعد ولن يتأخر عنك قال الزجاج المعنى يكافيك الله على ما فعلت يوم القيامة (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) معناه : وانظر إلى معبودك الذي ظلت على عبادته مقيما ، يعني العجل (لَنُحَرِّقَنَّهُ) بالنار (ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً) أي لنذرينه في البحر قال ابن عباس فحرقه ثم ذراه في البحر وهذا يدل على انه كان حيوانا لحما ودما وقال الصادق عليهالسلام ان موسى عليهالسلام همّ بقتل السامري فأوحى الله سبحانه إليه لا تقتله يا موسى فإنه سخي ، ثم أقبل موسى على قومه فقال : (إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي هو الذي يستحق العبادة (وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) أي يعلم كل شيء علما تاما ، وهي لفظة عجيبة في الفصاحة وفي ذلك دلالة على أن المعدوم يسمى شيئا لكونه معلوما. ثم قال الله لنبيّه صلّى الله علي وآله وسلم (كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ) أي مثل ما قصصنا عليك يا محمد من نبأ موسى وقومه نقصّ عليك من أخبار ما قد مضى وتقدم من الأمم والأمور (وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً) يعني القرآن ، لأن فيه ذكر كل ما يحتاج إليه من أمور الدين ، ثم أوعد سبحانه على الإعراض عنه وترك الإيمان به فقال : (مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً) أي حملا ثقيلا من الإثم يشقّ عليه حمله لما فيه من العقوبة كما يشق حمل الثقيل (خالِدِينَ فِيهِ) أي في عذاب ذلك الوزر وجزائه وهو الخلود في النار (وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً) تقديره ساء الحمل حملا والحمل بمعنى المحمول أي بئس الوزر هذا الوزر لهم يوم القيامة قال الكلبي بئس ما حملوا على أنفسهم من المآثم كفرهم بالقرآن (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) هو بدل من يوم القيامة وقد سبق معناه (وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً) عميا (يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ) أي يتسارّون بينهم فيقول المجرمون بعضهم لبعض (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) أي ما لبثتم في الدنيا ،