الوعيد ، وذكرناه على وجوه مختلفة ، وبيّناه بألفاظ متفرقة (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) المعاصي. وقيل : ليتّقي العرب من قبل أن ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) معناه : أو يجدد القرآن لهم عظة واعتبارا ، أي يذكروا به عقاب الله للأمم فيعتبروا وقيل أن يحدث لهم شرفا بإيمانهم به وإنما أضاف فيعتبروا وقيل أن يحدث لهم شرفا بإيمانهم به وإنما أضاف احداث الذكر إلى القرآن لأنه يقع عنده كما قال : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُ) أي ارتفعت صفاته عن صفات المخلوقين فلا يشبهه أحد في صفاته لأنه أقدر من كل قادر ، وأعلم من كل عالم ، وكل عالم وقادر سواه محتاج إليه وهو غني عنه ، وكل قادر وعالم قادر على شيء عاجز عن شيء ، عالم بشيء جاهل بشيء ، وما هو عالم به يجوز أن ينساه أو يسهو عنه ، فهو معرّض الزوال والله سبحانه لم يزل عالما قادرا ولا يزال كذلك ، والملك الذي يملك الدنيا والآخرة والحق الذي يحق له الملك وكل ملك سواه يملك بعض الأشياء ويبيد ملكه ويفنى (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) فيه وجوه (أحدها) ان معناه : لا تعجل بتلاوته قبل أن يفرغ جبرائيل عليهالسلام من إبلاغه ، فإنه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يقرأ معه ويعجل بتلاوته مخافة نسيانه ؛ أي تفهم ما يوحى إليك إلى أن يفرغ الملك من قراءته ولا تقرأ معه ثم اقرأ بعد فراغه منه ، وهذا كقوله لا تحرّك به لسانك لتعجل به عن ابن عباس والحسن والجبائي (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) أي استزد من الله سبحانه علما إلى علمك روت عائشة عن النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال إذا أتى عليّ يوم لا أزداد فيه علما يقرّبني إلى الله فلا بارك الله لي في طلوع شمسه وقيل معناه زدني علما بقصص أنبيائك ومنازل أوليائك وقيل زدني قرآنا لأنه كلما ازداد من نزول القرآن عليه ازداد علما عن الكلبي (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) معناه أمرناه وأوصينا إليه أن لا يقرب الشجرة ولا يأكل منها فترك الأمر عن ابن عباس ولم نجد له عقدا ثابتا وقيل معناه : فنسي من النسيان الذي هو السهو ، ولم نجد له عزما على الذنب لأنه أخطأ ولم يتعمد.
١١٦ ـ ١٢٥ ـ ثم بيّن سبحانه تفصيل ما أجمله من قصة آدم عليهالسلام فقال : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) فقد مرّ تفسيره (أَبى) أي امتنع من أن يسجد (فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ) حواء (فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ) أي لا تطيعاه ، والمعنى : لا يكونن سببا لخروجكما من الجنة بغروره ووساوسه (فَتَشْقى) أي فتقع في تعب العمل ، وكدّ الإكتساب ، والنفقة على زوجتك ونفسك ، ولذلك قال فتشقى ولم يقل فتشقيا وقيل لأن أمرهما في السبب واحد فاستوى حكمهما لاستوائهما في السبب والعلة قال سعيد بن جبير : أنزل على آدم ثور أحمر فكان يحرث عليه ويرشح العرق عن جبينه وذلك هو الشقاوة (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى) أي في الجنة لسعة طعام الجنّة وثيابها (وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) أي لا تعطش ولا يصيبك حرّ الشمس عن ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة قالوا : ليس في الجنة شمس وإنما فيها ضياء ونور وظل ممدود (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ) قد تقدّم بيانه (قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ) أي على شجرة من أكل منها لم يمت (وَمُلْكٍ لا يَبْلى) جديده ولا يفنى وهذا كقوله ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الآية (فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) هذا مفسر في سورة الأعراف (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) معناه : خالف آدم ما أمره ربه به فخاب من ثوابه ، والمعصية مخالفة الأمر سواء كان الأمر واجبا أو ندبا قال الشاعر «أمرتك أمرا جازما فعصيتني» ولا يمتنع أن يسمى تارك النفل عاصيا كما يسمى بذلك تارك الواجب ،