يقولون : فلان أمرته بكذا وكذا من الخير فعصاني وخالفني وإن لم يكن ذلك واجبا ، ولا شبهة أن لفظة غوى يحتمل الخيبة. ويجوز أن يكون معناه : فخاب مما كان يطمع فيه بأكل الشجرة من الخلود (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ) أي اصطفاه الله تعالى واختاره للرسالة (فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) أي قبل توبته وهداه إلى ذكره وقيل هداه للكلمات التي تلقاها منه (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً) يعني آدم وحواء (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) قد فسّرنا جميعها في سورة البقرة (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى) أي فلا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة. قال ابن عباس : ضمن الله سبحانه لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ، ثم قرأ هذه الآية (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) أي ومن أعرض عن القرآن وعن الدلائل التي أنزلها الله تعالى لعباده ، وصدف عنها ولم ينظر فيها (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) أي عيشا ضيقا عن مجاهد وقتادة والجبائي ، وهو أن يقتر الله عليه الرزق عقوبة له على اعراضه ، فإن وسع عليه فإنه يضيق عليه المعيشة بأن يمسكه ولا ينفقه على نفسه وإن أنفقه فإن الحرص على الجمع وزيادة الطلب يضيق المعيشة عليه. وقيل : هو عذاب القبر عن ابن مسعود وأبي سعيد الخدري والسدي ورواه أبو هريرة مرفوعا ، وقيل : هو طعام الضريع والزقوم في جهنم لأن مآله إليها وإن كان في سعة من الدنيا عن الحسن وابن زيد وقيل معناه أن يكون عيشه منغصا بأن ينفق انفاق من لا يوقن بالخلف عن ابن عباس وقيل هو الحرام في الدنيا الذي يؤدّي إلى النار عن عكرمة والضحاك وقيل عيشا ضيقا في الدنيا لقصرها وسائر ما يشوبها ويكدرها وإنما العيش الرغد في الجنة عن أبي مسلم (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) أي أعمى البصر عن ابن عباس ، وقيل : أعمى عن الحجة عن مجاهد ، يعني أنّه لا حجّة له يهتدي إليها ، والأول هو الوجه ، لأنه الظاهر ، ولا مانع منه ويدل عليه قوله : (قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً) قال الفراء : يقال : أنه يخرج من قبره بصيرا فيعمى في حشره.
١٢٦ ـ ١٣٠ ـ (قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها) هذا جواب من الله سبحانه لمن يقول لم حشرتني أعمى ، ومعناه : كما حشرناك أعمى جاءك محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم والقرآن والدلائل فأعرضت عنها وتعرضت لنسيانها (وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) معناه : كما تركت أو امرنا فجعلتها كالشيء المنسي تترك اليوم في العذاب كالشيء المنسي (وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ) أي وكما ذكرنا نجزي من أشرك وجاوز الحدّ في العصيان ولم يؤمن بآيات ربه ، أي لم يصدّق بحجج ربه وكتبه ورسله (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ) من عذاب الدنيا وعذاب القبر (وَأَبْقى) أي أدوم لأنه لا يزول وعذاب الدنيا وعذاب القبر يزول (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) يعني كفار مكة ، والمعنى : أفلم يبيّن لهم طريق الإعتبار كثرة إهلاكنا القرون قبلهم بتكذيبهم رسلنا فيعتبروا ويؤمنوا وقوله (يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) يريد أهل مكة كانوا يتّجرون إلى الشام فيمرون بمساكن عاد وثمود ويرون علامات الإهلاك ، وفي هذا تنبيه لهم وتخويف ، أي أفلا يخافون أن يقع بهم مثل ما وقع بأولئك (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في اهلاكنا إياهم (لَآياتٍ) أي لعبرا ودلالات (لِأُولِي النُّهى) أي لذوي العقول الذين يتدبّرون في أحوالهم (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) في تأخير العذاب عن هؤلاء الكفار إلى يوم القيامة وهو قوله : (لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى) أي لكان العذاب لزاما لهم واقعا في الحال. ثم أمر سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بالصبر على أذاهم بأن قال (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) من تكذيبك واذاهم إياك (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) معناه : سبّحه واحمده في هذه الأوقات (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) يعني صلاة الفجر (وَقَبْلَ غُرُوبِها) يعني صلاة العصر (وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ)