في بطونها. وفي هذا دلالة على أن الزلزلة تكون في الدنيا ، فإن الرضاع ووضع الحمل إنما يتصور في الدنيا قال الحسن تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام وتضع الحامل ما في بطنها لغير تمام ومن قال ان المراد به يوم القيامة قال : انه تهويل لأمر القيامة ، وتعظيم لما يكون فيه من الشدائد ، أي لو كان ثم مرضعة لذهلت ، أو حامل لوضعت ، وإن لم يكن هناك حامل ولا مرضعة (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى) من شدة الخوف والفزع (وَما هُمْ بِسُكارى) معناه : كأنّهم سكارى من ذهول عقولهم لشدة ما يمرّ بهم لأنهم يضطربون اضطراب السكران. ثم علّل سبحانه ذلك فقال (وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) فمن شدّته يصيبهم ما يصيبهم (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) هذا إخبار عن المشركين الذين يخاصمون في توحيد الله سبحانه ونفي الشرك عنه بغير علم منهم ، بل للجهل المحض وقيل ان المراد به النضر بن الحرث فإنه كان كثير الجدال وكان يقول : الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين وينكر البعث (وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ) يغويه عن الهدى ، ويدعوه إلى الضلال (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ) معناه : انه يتبع كل شيطان كتب الله على ذلك الشيطان في اللوح المحفوظ انه يضل من تولاه فكيف يتبع مثله ، ويعدل بقوله عمن دعاه إلى الرحمة وقيل معناه : كتب على الشيطان انه من تولاه أضله الله تعالى (وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) ثم ذكر سبحانه الحجة في البعث لأن أكثر الجدال كان فيه فقال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) أي في شكّ (مِنَ الْبَعْثِ) والنشور ، والريب أقبح الشك (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ) معناه : فالدليل على صحته انا خلقنا أصلكم وهو آدم عليهالسلام من تراب فمن قدر على أن يصيّر التراب بشرا سويا حيّا في الابتداء قدر على أن يحيي العظام ، ويعيد الأموات (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) معناه : ثم خلقنا اولاده ونسله من نطفة في ارحام الامهات ، وهي الماء القليل يكون من الذكر والانثى (ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ) بأن تصير النطفة علقة ، وهي القطعة من الدم الجامد (ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ) أي شبه قطعة من اللحم ممضوغة ، فإن معنى المضغة مقدار ما يمضغ من اللحم (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) أي تامة الخلق وغير تامة ، وقيل : مصورة وغير مصورة (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) معناه : لنبيّن لكم أن من قدر على الإبتداء قدر على الإعادة (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) معناه : ونبقي في أرحام الأمهات ما نشاء إلى وقت تمامه (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) أي نخرجكم من بطون أمهاتكم وأنتم أطفال (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) وهو حال اجتماع العقل والقوة وتمام الخلق (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى) أي قبل بلوغ الأشدّ ، أي يقبض روحه فيموت في حال صغره أو شبابه (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) أي أسوأ العمر وأخبثه ، وإنما صار أرذل العمر لأن الإنسان لا يرجو بعده صحة وقوة ، وإنما يرتقب الموت والفناء ، بخلاف حال الطفولية والضعف الذي يرجى له الكمال والتمام بعدها (لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) معناه : لكي يصير إلى حال ينعدم عقله ، أو يذهب عنه علومه هرما فلا يعلم شيئا مما كان علمه ثم ذكر سبحانه دلالة أخرى على البعث فقال (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً) يعني هالكة ، أي يابسة دارسة من أثر النبات (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ) وهو المطر (اهْتَزَّتْ) أي تحركت بالنبات ، والاهتزاز : شدة الحركة في الجهات (وَرَبَتْ) أي : زادت أي أضعفت نباتها وقيل انتفخت لظهور نباتها عن الحسن (وَأَنْبَتَتْ) يعني الأرض (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) أي من كل صنف (بَهِيجٍ) مؤنق للعين ، حسن الصورة واللون.
٦ ـ ١٠ ـ لمّا قدّم سبحانه ذكر الأدلة عقّبه بما يتصل به فقال : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) معناه : ذلك الذي سبق ذكره من تصريف الخلق على هذه الأحوال ، وإخراج النبات بسبب