أن الله هو الحق ، أي ليعلموا أنه الذي يحقّ له العبادة دون غيره وقيل : هو الذي يستحق صفات التعظيم (وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى) لأن من قدر على انشاء الخلق فإنه يقدر على اعادته (وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أما المعدومات فيقدر على ايجادها ، وأما الموجودات فيقدر على افنائها وإعادتها ويقدر على جميع الأجناس ومن كل جنس على ما لا نهاية له (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها) أي وليعلموا ان القيامة آتية لا شكّ فيها (وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) أي يحييهم للجزاء لأن ما ذكرناه يدل على البعث على الوجه الذي بيّناه (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) سبق تفسيره (وَلا هُدىً) أي لا يرجع فيما يقوله إلى علم ولا دلالة (وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) أي مضيء له نور يؤدّي من تمسّك به إلى الحق والمعنى : أنه لا يتبع أدلة العقل ولا أدلة السمع ، وإنما يتبع الهوى والتقليد وفي هذا دلالة على أن الجدال بالعلم صواب وبغير العلم خطأ ، لأن الجدال بالعلم يدعو إلى اعتقاد الحق ، وبغير العلم يدعو إلى اعتقاد الباطل (ثانِيَ عِطْفِهِ) أي متكبرا في نفسه ، عن ابن عباس ، يقول العرب : ثنى فلان عطفه إذا تكبر وتجبّر ، وعطفا الرجل جانباه من عن يمين أو شمال وهو الموضع الذي يعطفه الإنسان أي يلويه ويميله عند الإعراض عن الشيء وقيل معناه لاوي عنقه إعراضا وتكبرا على الله ورسوله عن قتادة ومجاهد (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي ليضلّ الناس عن الدين ومن فتح الياء أراد ليضل هو عن طريق الحق المؤدّي إلى توحيد الله (لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) أي هوان وذلّ وفضيحة بما يجري له على ألسنة المؤمنين من الذم وبالقتل وغير ذلك (وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ) أي النار التي تحرقهم (ذلِكَ) أي يقال له ذلك العذاب (بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) أي بما كسبت يداك (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) في تعذيبه ، لأن الله لا يظلم ولا يعاقب ابتداء ، ولا يزيد على الجزاء وفي هذا دلالة واضحة على بطلان مذهب المجبرة الذين ينسبون كل ظلم في العالم إلى الله تعالى.
١١ ـ ١٥ ـ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) أي على ضعف في العبادة كضعف القائم على حرف ، أي طرف حبل أو نحوه عن عليّ بن عيسى قال : وذلك من اضطرابه في طريق العلم إذا لم يتمكن من الدلائل المؤدّية إلى الحق فينقاد لأدنى شبهة لا يمكنه حلّها. وقيل : على حرف : أي على شك عن مجاهد. وقيل : معناه أنه يعبد الله بلسانه دون قلبه عن الحسن قال : الدين حرفان : أحدهما اللسان ، والثاني القلب ، فمن اعترف بلسانه ولم يساعده قلبه فهو على حرف (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ) أي أصابه رخاء وعافية وخصب وكثرة مال اطمأنّ على عبادة الله بذلك الخير (وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ) أي اختبار بجدب وقلة مال (انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) أي رجع عن دينه إلى الكفر والمعنى : انصرف إلى وجهه الذي توجّه منه وهو الكفر (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ) أي خسر الدنيا بفراقه ، وخسر الآخرة بنفاقه (ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) أي الضرر الظاهر لفساد عاجله وآجله وقيل : خسر في الدنيا العز والغنيمة وفي الآخرة الثواب والجنة (يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ) أي يدعو هذا المريد بعبادته سوى الله ما لا يضرّه إن لم يعبده ، وما لا ينفعه إن عبده (ذلِكَ) الذي فعل (هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) عن الحق والرشد (يَدْعُوا) الذي هو الضلال البعيد (لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) قال السدي يعني الذي ضرّه في الآخرة بعبادته إياه أقرب من النفع وإن كان لا نفع عنده ولكن العرب تقول لما لا يكون هذا بعيد ونفع الصنم بعيد لأنه لا يكون فلما كان نفعه بعيدا قيل لضره انه أقرب من نفعه على معنى أنه كائن (لَبِئْسَ الْمَوْلى) أي لبئس الناصر هو (وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) أي الصاحب المعاشر المخالط هو ، يعني الصنم يخالطه العابد ويصاحبه. ولما ذكر الشاك في الدين