بالخسران ذكر ثواب المؤمنين على الإيمان فقال (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا) بالله وصدّقوا رسله (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) بأوليائه وأهل طاعته من الكرامة ، وبأعدائه وأهل معصيته من الإهانة ، لا يدفعه دافع ، ولا يمنعه مانع. ثم قال : (مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ) الهاء في ينصره عائدة إلى النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عن ابن عباس وقتادة والمعنى : من كان يظن أن الله لن ينصر نبيّه محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا يعينه على عدوّه (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ) أي فليشدد حبلا في سقفه (ثُمَّ لْيَقْطَعْ) أي ليمدد ذلك الحبل حتى ينقطع فيموت مختنقا والمعنى : فليختنق غيضا حتى يموت فإن الله ناصره ولا ينفعه غيظه وهو قوله (فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ) أي صنعه وحيلته (ما يَغِيظُ) ما بمعنى المصدر أي : هل يذهبن كيده غيظه عن قتادة وأكثر المفسرين. وقيل : فليمدد بسبب إلى السماء معناه : فليطلب شيئا يصل به إلى السماء المعروفة ثم ليقطع نصر الله ووحي الله عن محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وليزل بكيده ما يغيظه من نصر الله له ونزول الوحي عليه ، أي لا يتهيأ له ذلك ولا سبيل له إليه فليتجرع ما يغيظه ، وإنما قال سبحانه ذلك على وجه التبعيد ، أي كما لا يتهيأ لهم الوصول إلى السماء كذلك لا يتهيأ لهم ازالة ما يغيظهم من أمر رسول الله ونصره على أعدائه دائما وإنما ذكر السماء لأن النصر يأتيه من قبل السماء ومن الملائكة عن أبي علي الجبائي وهذا مثل ضربه الله لهذا الجاهل الذي يسخط لما أعطاه الله ، أي مثله مثل من فعل بنفسه هذا.
١٦ ـ ١٨ ـ ثم بيّن سبحانه أنه نزل الآيات حجّة على الخلق فقال : (وَكَذلِكَ) أي ومثل ما تقدّم من آيات القرآن (أَنْزَلْناهُ) يعني القرآن (آياتٍ بَيِّناتٍ) أي حججا واضحات على التوحيد والعدل والشرائع (وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ) أي وأنزلنا إليك أن الله يهدي إلى الدين من يريد وقيل إلى النبوة وقيل إلى الثواب وقيل : يهدي من يهتدي بهداه (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَالَّذِينَ هادُوا) وهم اليهود (وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) ظاهر المعنى (إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي يبيّن المحق من المبطل بما يضطر إلى العلم بصحة الصحيح فيبيض وجه المحقّ ، ويسودّ وجه المبطل والفصل : التمييز بين الحق والباطل (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أي عليم مطّلع على ما من شأنه أن يشاهد يعلمه قبل أن يكون لأنه علّام الغيوب. ثم خاطب النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والمراد به جميع المكلفين فقال : (أَلَمْ تَرَ) أي ألم تعلم (أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) من العقلاء (وَالشَّمْسُ) أي ويسجد الشمس (وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُ) وصف سبحانه هذه الأشياء بالسجود وهو الخضوع والذل والإنقياد لخالقها فيما يريد منها (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) يعني المؤمنين الذين يسجدون لله تعالى ؛ وانقطع ذكر الساجدين ثم ابتدأ فقال (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) أي ممن أبى السجود ولا يوحّده سبحانه قال الفراء قوله وكثير حقّ عليه العذاب يدل على أن المعنى وكثير أبى السجود لأنه لا يحق عليه العذاب إلا بتركه السجود (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) معناه : من يهنه الله بأن يشقيه ويدخله جهنم فما له من مكرم بالسعادة ، أي بإدخاله الجنة لأنه لا يملك العقوبة والمثوبة سواه (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) من الإنعام والإنتقام بالفريقين من المؤمنين والكافرين.
١٩ ـ النزول
نزلت الآية هذان خصمان اختصموا في ستة نفر من المؤمنين والكفار تبارزوا يوم بدر وهم : حمزة بن عبد المطلب