ذلك بما جعلنا له من العلامة (أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً) أي وأوحينا إليه أن لا تعبد غيري (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) من الشرك وعبادة الأوثان (لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) مفسر بسورة البقرة ، والمراد بالقائمين : المقيمين بمكة ، وقيل القائمين في الصلاة (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ) أي : ناد في الناس واعلمهم بوجوب الحج ، والمخاطب إبراهيم. عن ابن عباس قال : لما أمر الله سبحانه إبراهيم أن ينادي في الناس بالحج صعد أبا قبيس ووضع أصبعيه في أذنيه وقال : يا أيّها الناس أجيبوا ربكم ، فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال (يَأْتُوكَ رِجالاً) أي مشاة على أرجلهم (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) أي ركبانا. قال ابن عباس : يريد الإبل ، ولا يدخل بعير ولا غيره الحرم إلا وقد هزل (يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) أي طريق بعيد (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ) قيل المعنى : ليحضروا ما ندبهم الله إليه مما فيه النفع لهم في الآخرة (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ) هي أيام العشر ، وقيل لها معلومات للحرص على علمها من أجل وقت الحج في آخرها (عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) أي على ذبح ونحر ما رزقهم من الإبل والبقر والغنم (فَكُلُوا مِنْها) أي من بهيمة الأنعام ، وهذا إباحة وندب وليس بواجب (وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ) فالبائس الذي ظهر عليه أثر البؤس من الجوع والعري (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) أي ليزيلوا شعث الإحرام من تقليم ظفر ، وأخذ شعر ، وغسل واستعمال طيب. قال الزجاج : قضاء التفث كناية عن الخروج من الإحرام إلى الإحلال (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) أي وليتموا نذورهم بقضائها ، وهو ما نذروا من أعمال البرّ في أيام الحج ، وربما نذر الإنسان أن يتصدق إن رزقه الله الحج ، وإن كان على الرجل نذور مطلقة فالأفضل أن يفي بها هناك (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) هذا أمر وظاهره يقتضي الوجوب ، وأراد به طواف الزيارة لأنه من أركان أفعال الحج ، وروى أصحابنا ان المراد به طواف النساء الذي يستباح به وصل النساء وذلك بعد طواف الزيارة فإنه إذا طاف طواف الزيارة حلّ له كل شيء إلّا النساء ، فاذا طاف طواف النساء حلت له النساء. والبيت العتيق : هو الكعبة ، وإنما سمي عتيقا لأنّه أعتق من الطوفان ، فغرقت الأرض كلها إلا موضع البيت (ذلِكَ) ومعناه : الأمر ذلك ، أي هكذا أمر الحج والمناسك (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) أي : فالتعظيم خير له عند ربه ، أي في الآخرة ، والحرمة : ما لا يحل انتهاكه ، واختار أكثر المفسرين في معنى الحرمات هنا انها المناسك لدلالة ما يتصل بها من الآيات على ذلك (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ) أي الإبل والبقر والغنم (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) يعني في سورة المائدة من الميتة والمنخنقة والموقوذة ونحوها (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) من هنا للتبيين والتقدير : فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان ؛ وروى أصحابنا أن اللعب بالشطرنج والنرد وسائر أنواع القمار من ذلك (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) يعني الكذب ؛ وروى أصحابنا أنه يدخل فيه الغناء وسائر الأقوال الملهية.
٣١ ـ ٣٥ ـ قال سبحانه : (حُنَفاءَ لِلَّهِ) أي مستقيمي الطريقة على أمر الله ، مائلين عن سائر الأديان (غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) أي حجاجا مخلصين ، وهم مسلمون موحدون لا يشركون في تلبية الحج به أحدا. ثم ضرب سبحانه مثلا لمن أشرك فقال : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ) أي سقط من السماء (فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ) أي تأخذه بسرعة (أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ) أي تسقطه (فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) أي بعيد مفرط في البعد. شبّه حال المشرك بحال الهاوي من السماء في انه لا يملك لنفسه حيلة فهو هالك لا محالة (ذلِكَ) أي الأمر الذي ذكرنا (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) أي معالم دين الله ، والأعلام التي نصبها لطاعته (فَإِنَّها) أي فإن تعظيمها (مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) أضاف التقوى إلى القلوب لأن حقيقة التقوى تقوى القلوب (لَكُمْ