كَفُورٍ) وهم الذين خانوا الله بأن جعلوا معه شريكا وكفروا نعمه ، عن ابن عباس وقيل : من ذكر اسم غير الله وتقرّب إلى الأصنام بذبيحته فهو خوّان كفور عن الزجاج. ثم بيّن سبحانه إذنه لهم في قتال الكفار بعد تقدم بشارتهم بالنصرة فقال : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) أي بسبب أنهم ظلموا ؛ وقد سبق معناه في الحجة وكان المشركون يؤذون المسلمين ولا يزال يجيء مشجوج ومضروب إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويشكون ذلك إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيقول لهم صلوات الله عليه وآله : اصبروا فإني لم أؤمر بالقتال حتى هاجر فأنزل الله عليه هذه الآية بالمدينة وهي أول آية نزلت في القتال ، وفي الآية محذوف وتقديره : أذن للمؤمنين أن يقاتلوا أو بالقتال ، من أجل أنهم ظلموا (وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) وهذا وعد لهم بالنصر (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) معناه : من غير أن استحقوا ذلك ، أي لم يخرجوا من ديارهم إلا لقولهم ربّنا الله وحده (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) قد تقدّم الكلام في هذا (لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ) أي صوامع في أيام شريعة عيسى ، وبيع في أيام شريعة موسى ، ومساجد في أيام شريعة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم والمعنى : ولولا أن دفع الله بعض الناس ببعض لهدم في كل شريعة بناء المكان الذي يصلى فيه وقيل : البيع للنصارى في القرى والصوامع : في الجبال والبراري ، ويشترك فيها الفرق الثلاث ، والمساجد للمسلمين ، والصلوات كنيسة اليهود عن أبي مسلم وقال ابن عباس والضحاك وقتادة : الصلوات كنائس اليهود يسمونها صلوة فعرّبت ، وقال الحسن : أراد بذلك عين الصلاة ، وهدم الصلاة بقتل فاعليها ، ومنعهم من اقامتها وقيل : أراد بالصلوات المصلّيات كما قال : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) ، وأراد المساجد (يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً) الهاء تعود إلى المساجد وقيل : إلى جميع المواضع الذي تقدمت لأن الغالب فيها ذكر الله (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) هذا وعد من الله بأنه سينصر من ينصر دينه وشريعته (إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) أي قادر قاهر.
٤١ ـ ٤٥ ـ (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) والتمكين اعطاء ما يصحّ معه الفعل ، فإن كان الفعل لا يصح إلا بآلة فالتمكين اعطاء تلك الآلة لمن فيه القدرة ، وكذلك إن كان لا يصح الفعل إلا بعلم ونصب دلالة واضحة وسلامة ولطف وغير ذلك ، فالتمكين : اعطاء جميع ذلك وإن كان الفعل يكفي في صحة وجوده مجرد القدرة ، فخلق القدرة التمكين فالمعنى : الذين أعطيناهم ما به يصحّ الفعل منهم ، وسلّطناهم في الأرض أدّوا الصلاة بحقوقها ، وأعطوا ما افترض الله عليهم من الزكاة (وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) وهذا يدلّ على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والمعروف هو الحق لأنه يعرف صحته والمنكر : هو الباطل لأنه لا يمكن معرفة صحته (وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) هو كقوله : (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) ، ومعناه : أنه يبطل كل ملك سوى ملكه ، فتصير الأمور إليه بلا مانع ولا منازع. ثم عزى سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم عن تكذيبهم إياه (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) يا محمد (فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ مَدْيَنَ) كل أمة من هؤلاء الأمم فقد كذبت نبيّها ، ثم قال (وَكُذِّبَ مُوسى) ولم يقل : وقوم موسى لأن قومه بنو إسرائيل وكانوا آمنوا به ، وإنما كذّبه فرعون وقومه (فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ) أي أخّرت عقوبتهم وأمهلتهم يقال : أملى الله لفلان في العمر إذا أخّر عنه أجله (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) أي بالعذاب (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) استفهام معناه التقرير ، أي فكيف أنكرت عليهم ما فعلوا من التكذيب فأبدلتهم بالنعمة نقمة ، وبالحياة هلاكا؟ قال الزجاج : المعنى :