قال : إنّي قد أجمعت المسير في أحد يوميّ هذين (السابع أو الثامن لذي الحجة) إن شاء الله.
فقال ابن عباس : فإنّي اعيذك بالله من ذلك! أخبرني ـ رحمك الله ـ أتسير إلى قوم قد قتلوا أميرهم ونفوا عدوّهم وضبطوا بلادهم؟! فإن كانوا قد فعلوا ذلك فسر إليهم ، وإن كانوا إنما دعوك إليهم وأميرهم عليهم قاهر لهم ، وعمّاله تجبى بلادهم ، فإنهم إنّما دعوك إلى الحرب والقتال! ولا آمن عليك أن يغرّوك ويكذّبوك! ويخالفوك ويخذلوك! وأن يستنفروا إليك فيكونوا أشدّ الناس عليك (١)!
فقال الإمام عليهالسلام : وإنّي أستخير الله (أطلب الخير منه) وأنظر ما يكون.
وعلى هذا الوعد بعد ابن عباس عن ابن عمّه الحسين عليهالسلام يوما أو بعض يوم ، ولكنّه لم يتمالك نفسه على الصبر دون أن عاد إليه وقال له : يابن عمّ ؛ إنّي أتصبّر وما أصبر! فإنّي أخاف عليك في هذا الوجه (العراق) الهلاك والاستئصال! فإنّ (أهل) العراق قوم غدر فلا تقربنّهم! أقم بهذا البلد فإنّك سيّد أهل الحجاز. فإن كان أهل العراق يريدونك كما زعموا ، فاكتب إليهم فلينفوا عدوّهم ثمّ أقدم عليهم. فإن أبيت إلّا أن تخرج فسر إلى اليمن ، فإنّ بها حصونا وشعابا ، وهي أرض عريضة طويلة ، وتبث دعاتك ، فإنّي أرجو أن يأتيك عند ذلك الذي تحبّ (!) في عافية!
فقال له الحسين عليهالسلام : يابن عمّ ؛ إنّي والله لأعلم أنّك ناصح مشفق ، ولكنّي أزمعت على المسير!
فقال ابن عباس : فإن كنت سائرا فلا تسر بنسائك وصبيتك! فو الله إنّي لخائف أن تقتل (٢) فلم يتكلّم الإمام عليهالسلام!
__________________
(١) وذلك ليبرّئوا أنفسهم من سابقتهم لأمرائهم!
(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٣٨٣ ـ ٣٨٤ عن أبي مخنف.