وجاءه رجل من بني مخزوم يدعى عمر بن عبد الرحمن وقال له : يابن عمّ! أتيتك لحاجة في ذكر نصيحة فإن كنت تستنصحني وإلّا كففت عمّا اريد أن أقول؟ فقال الإمام عليهالسلام : قل فو الله ما أظنّك بسيّئ الرأي ... فقال : قد بلغني أنّك تريد المسير إلى العراق ، وإني مشفق عليك من مسيرك ، إنّك تأتي بلدا فيه عمّاله وامراؤه ومعهم بيوت الأموال ، وإنّما الناس عبيد لهذا الدرهم والدينار! فلا آمن عليك أن يقاتلك من وعدك نصره ومن أنت أحبّ إليه ممّن هو يقاتلك معه!
فقال الإمام عليهالسلام : جزاك الله خيرا يابن عمّ! ومهما يقض من أمر يكن! أخذت برأيك أو تركته (١) فلا مفرّ منه!
وفي يوم التروية عند ارتفاع الضحى في ما بين حجر إسماعيل وباب الكعبة التقى بالإمام عليهالسلام ابن الزبير فقال له :
إن شئت أن تقيم أقمت فوليت هذا الأمر ، فآزرناك وساعدناك ونصحنا لك وبايعناك؟
فقال الإمام عليهالسلام : إنّ أبي حدّثني : أن بها كبشا يستحلّ حرمتها! فما أحبّ أن أكون ذلك الكبش! والله لئن اقتل خارجا منها بشبر أحبّ إليّ من أن اقتل داخلا فيها بشبر! وايم الله لو كنت في جحر هامّة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا فيّ حاجتهم! والله ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في السبت!
ثمّ طاف الحسين عليهالسلام بالبيت وصلّى وسعى وقصّ من شعره فحلّ من عمرته ، ثمّ توجّه نحو العراق والناس متوجّهون إلى منى عند الظهر (٢) ويظهر أنّه عليهالسلام تعمّد ذلك تعمية لخروجه واختاره ستارا.
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٣٨٢ عن أبي مخنف.
(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٣٨٤ ـ ٣٨٥ عن أبي مخنف.