وجعل معه جمعا من شرطه وأمرهم أن يعترضوا الحسين عليهالسلام فيردّوه ولو بضرب السياط! فاعترضوه واعترضوا عليه خروجه فأبى ، فناداه مناديهم : يا حسين! ألا تتّقي الله! تخرج من الجماعة وتفرّق بين هذه الأمة!
فاختار الإمام عليهالسلام أن يجيبهم بقوله سبحانه : (لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ)(١) وتدافعوا وتضاربوا بالسياط! فلم يقووا على ردّهم ومضوا (٢).
هذا وقد تخلّف عن الإمام عليهالسلام ابن عمّ أبيه عبد الله بن العباس لعماه ، وابن عمّه عبد الله بن جعفر ، وكأنّه كان يرى أنّ خروج الإمام من مكّة إنما هو مخافة أن يقبض عليه بمكّة فينفذ إلى يزيد ، كما مرّ عن المفيد ، فحاول أن يشفع له عند الأمير الأموي لمنحه الأمان ، فبادر برسالة إلى الإمام مع ابنيه عون ومحمّد ، وفيه : أمّا بعد ؛ فإنّي أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي ، فإنّي مشفق عليك من الوجه الذي تتوجّه له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ، وإن هلكت اليوم طفئ نور الأرض ، فإنّك علم المهتدين ورجاء المؤمنين ، فلا تعجل بالسير فإني في إثر الكتاب ، والسلام.
وقام ابن جعفر إلى عمرو الأشدق وقال له : اكتب إلى الحسين كتابا تجعل له فيه الأمان وتمنّيه فيه البرّ والصلة! وتوثّق له في كتابك وتسأله الرجوع لعلّه يطمئن إلى ذلك فيرجع! وابعث به مع أخيك يحيى بن سعيد ، فإنّه أحرى أن تطمئن نفسه إليه ويعلم أنّه الجدّ منك!
__________________
(١) يونس : ٤١.
(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٣٨٥ عن أبي مخنف.