والحسين وأصحابه معتمّون متقلّدون أسيافهم. فقال الحسين لفتيانه : اسقوا القوم وارووهم من الماء ورشّفوا الخيل ترشيفا (١).
فقام فتيانه وسقوا القوم حتى أرووهم ، وأقبلوا يملؤون القصاع والطساس من الماء ويدنونها من الأفراس تعبّ منها ثلاثا أو أربعا أو خمسا حتى سقوا كلّ الخيل.
وحضر الظهر فأمر الإمام مؤذّنه الحجّاج بن مسروق الجعفي أن يؤذّن فأذّن ، ثمّ خرج الإمام بنعليه في إزار ورداء فوقف يخطبهم فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال لهم : أيّها الناس ، إنّها معذرة إلى الله عزوجل وإليكم ، إنّي لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ، أن أقدم علينا فإنّه ليس لنا إمام ، ولعلّ الله يجمعنا بك على الهدى. فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم ، فإن تعطوني ما أطمئنّ إليه من عهودكم ومواثيقكم ؛ أقدم مصركم ؛ وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه إليكم! وسكت.
فسكتوا ولم يردّوا جوابا بل قالوا للمؤذّن : أقم الصلاة ، فأقام ، فالتفت الحسين عليهالسلام إلى الحرّ وقال له : أتريد أن تصلّي بأصحابك؟ قال : لا ، بل تصلّي ونصلّي بصلاتك. فصلّى بهم الحسين عليهالسلام ثمّ عاد إلى رحله مع أصحابه.
وانصرف الحرّ إلى خيمة ضربت له مع أصحابه ، وعاد سائرهم إلى صفوفهم فجلسوا في ظلال الخيول حتى كان وقت العصر ، وتهيّأ أصحاب الحسين عليهالسلام للرحيل ، ثمّ خرج وأمر مؤذّنه فأذّن للعصر ثمّ أقام ، ثمّ استقدم الإمام فصلّى بهم وسلّم ثمّ انصرف بوجهه إلى القوم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال لهم :
أما بعد ـ أيّها الناس ـ فإنّكم إن تتّقوا وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى لله ، ونحن «أهل البيت» أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس
__________________
(١) الرشف : رفع العطش بشربة.