لهم! والسائرين فيكم بالجور والعدوان! وإن أنتم كرهتمونا وجهلتم حقّنا وكان رأيكم على غير ما أتتني به كتبكم وقدمت عليّ به رسلكم انصرفت عنكم!
فقال الحرّ : إنّا ـ والله ـ ما ندري ما هذه الكتب التي تذكرها!
فالتفت الإمام إلى غلامه عقبة بن سمعان وقال له : يا عقبة ؛ أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إليّ! فأخرج خرجين مملوءين صحفا فنثرها بين أيديهم. فلمّا رآها الحرّ قال : فإنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك ، وقد أمرنا أن إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله بن زياد! فقال له الحسين عليهالسلام : الموت أدنى إليك من ذلك! ثمّ التفت إلى أصحابه وقال لهم : قوموا فاركبوا. فقاموا وركبوا وركبت نساؤهم ، وذهبوا لينصرفوا راجعين وتوقّف الحرّ بخيله بينهم وبين الرجوع! فقال له الحسين عليهالسلام : ثكلتك أمّك ما تريد؟!
فقال الحرّ : أما والله لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمّه بالثكل كائنا من كان! ولكن ـ والله ـ ما لي إلى ذكر أمّك من سبيل إلّا بأحسن ما نقدر عليه! فقال له الحسين عليهالسلام : فما تريد؟ قال الحرّ : أريد ـ والله ـ أن أنطلق بك إلى عبيد الله بن زياد! قال له الحسين عليهالسلام : إذن ـ والله ـ لا أتّبعك! فقال الحر : إذن ـ والله ـ لا أدعك!
ولما كثر الكلام بينهما قال له الحرّ : إنّي لم اؤمر بقتالك ، وإنّما أمرت أن لا افارقك حتى أقدمك الكوفة ، فإذ أبيت فخذ طريقا تكون نصفا بيني وبينك : لا تدخلك الكوفة ولا تردّك إلى المدينة ، حتّى أكتب إلى ابن زياد ... فلعلّ الله أن يأتيني بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلي بشيء من أمرك! فتياسر عن طريق العذيب والقادسية. هذا وبينه وبين العذيب : ثمانية وثلاثون ميلا (١) (٧٧ كم تقريبا).
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٠٤ ـ ٤٠٥ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ٧٨ ـ ٨١.