ثمّ أرسل رسولا إلى الكوفة يدعوهم إلى مثل ما فعل أهل البصرة فحصبوه وأبوا عليه ، فلما بلغ ذلك أهل البصرة خالفوه كذلك فهاجت بها فتنة على ابن زياد (١).
وإلى ما بعد (٤٥) يوما من هلاك يزيد أي في آخر شهر ربيع الآخر تأخّر لحوق ابنه معاوية بأبيه.
قال المسعودي : ولمّا حضرته الوفاة اجتمعت إليه بنو اميّة فقالوا له : اعهد إلى من ترى من أهل بيتك! فقال : لا والله ما ذقت حلاوة خلافتكم فكيف أتقلّد وزرها وتتعجّلون أنتم حلاوتها وأتعجل مرارتها؟! اللهمّ إني بريء منها ومتخلّ عنها ، اللهمّ إنّي لا أجد نفرا كأهل الشورى فأجعلها إليهم ، ينصبون لها من يرونه أهلا لها.
وكانت امّه ابنة خال أبيه : امّ هاشم بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس واقفة تسمعه فقالت له : ليت أنّي خرقة حيضة ولم أسمع منك هذا الكلام!
فقال لها : يا امّاه! وليتني كنت خرقة حيض ولم أتقلّد هذا الأمر ، أتفوز بنو أميّة بحلاوتها وأبوء أنا بوزرها ومنعها عن أهلها؟! كلّا إنّي لبريء منها (٢)!
إلّا أنّ ابن قتيبة قال : جمع الناس فخرج إليهم ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال لهم : أيّها الناس ، إنّي نظرت لكم فيما صار إليّ من أمركم وتقلّدته من ولايتكم ، فوجدت فيما بيني وبين ربّي أنّه لا يسعني أن أتقدّم على قوم فيهم من هو خير منّي وأحقهم بذلك وأقوى على ما تقلّدته. فاختاروا منّي إحدى خصلتين :
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٥٠٣.
(٢) مروج الذهب ٣ : ٧٣.