إمّا أن أخرج منها واستخلف عليكم من أراه رضا لكم ومقنعا ، ولكم عليّ الله أن لا آلوكم نصحا في الدين والدنيا.
وإمّا أن تختاروا لأنفسكم وتخرجوني منها.
قال : فخافت بنو أميّة أن تزول الخلافة منهم فقالوا له : ننظر في ذلك يا أمير المؤمنين ونستخير الله ، فأمهلنا. فقال لهم : لكم ذلك وعجّلوا عليّ.
فلم يلبثوا بعدها إلّا أيّاما حتّى طعن ، فدخلوا عليه فقالوا : استخلف على الناس من تراه لهم رضا. فقال لهم : عند الموت تريدون ذلك؟! لا والله لا أتزوّدها ، ما سعدت بحلاوتها فكيف أشقى بمرارتها؟! فهلك ولم يستخلف أحدا (١).
هذا ، وانفرد اليعقوبي بخطبة اخرى تختلف كلّ الاختلاف عمّا سلف ، قال : خطب فقال :
أمّا بعد حمد الله والثناء عليه ، أيّها الناس ، فإنّا قد بلينا بكم وبليتم بنا ، فما نجهل كراهتكم لنا وطعنكم علينا! ألا وإنّ جدّي معاوية بن أبي سفيان نازع الأمر من كان أولى به منه في القرابة برسول الله وأحقّ في الإسلام ، سابق المسلمين وأوّل المؤمنين وابن عمّ رسول ربّ العالمين وأبا بقيّة خاتم المرسلين! ركب منكم ما تعلمون وركبتم ما لا تنكرون ، حتّى أتته منيّته وصار رهنا بعمله.
ثمّ قلّد أبي ، وكان غير خليق للخير! فركب هواه! واستحسن خطاه ، وعظم رجاؤه ، فأخلفه الأمل وقصر عنه الأجل ، فقلّت منعته وانقطعت مدّته ، وصار في حفرته رهنا بذنبه وأسيرا بجرمه! وإن أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه وقبح منقلبه ، وقد قتل عترة الرسول ، وأباح الحرمة ، وحرّق الكعبة!
__________________
(١) الإمامة والسياسة ٢ : ١٣.