فما أنا المتقلّد أموركم ولا المتحمّل تبعاتكم! فشأنكم أمركم! فو الله لئن كانت الدنيا مغنما لقد نلنا منها حظّا ، وإن تكن شرّا فحسب آل أبي سفيان ما أصابوا منها!
وكان مروان حاضرا فناداه : سنّها فينا عمريّة!
فقال : ما كنت أتقلّدكم حيّا وميّتا ، ومتى صار يزيد بن معاوية مثل عمر؟! ومن لي برجال مثل رجال عمر (١)؟! أجل ، هذا ما قاله اليعقوبي.
وقريب منه بل أقرب إلى التصديق ما رواه الورّام بن أبي فرّاس المالكي الحلّي (٦٠٥ ه) في مجموعته : أنّه لمّا نزع معاوية بن يزيد نفسه من الخلافة قام خطيبا فقال :
أيّها الناس ما أنا الراغب في التأمّر عليكم ، ولا بالآمن من كرهتكم ، بل بلينا بكم وبليتم بنا ، ألا إنّ جدّي معاوية نازع الأمر من كان أولى بالأمر منه في قدمه وسابقته : عليّ بن أبي طالب فركب جدّي منه ما تعلمون ، وركبتم معه ما لا تجهلون ، حتّى صار رهين عمله وضجيع حفرته (تجاوز الله عنه).
ثمّ صار الأمر إلى أبي ، ولقد كان خليقا أن لا يركب سننه ، إذ كان غير خليق بالخلافة ، فركب ردعه واستحسن خطأه ، فقلّت مدّته وانقطعت آثاره وخمدت ناره! ولقد أنسانا الحزن به الحزن عليه! فإنّا لله وإنّا إليه راجعون! ثمّ أخفت يترحّم على أبيه! ثمّ قال :
وصرت أنا الثالث من القوم ، الزاهد في ما لديّ أكثر من الراغب ، وما كنت لأتحمّل اثامكم ، شأنكم وأمركم فخذوه ، ومن شئتم ولايته فولّوه!
فقام إليه مروان بن الحكم وقال له : يا أبا ليلى! أفسنّة عمر سيّئة؟!
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٥٤.