أمّا بعد ؛ فإنّ الدنيا قد أدبر منها ما كان معروفا ، وأقبل منها ما كان منكرا ، وأزمع الترحال عباد الله الأخيار ، وباعوا قليلا من الدنيا لا يبقى بجزيل مثوبة عند الله لا تفنى (١).
إنّ أولياءكم من إخوانكم و «شيعة آل نبيّكم» نظروا لأنفسهم فيما ابتلوا به من أمر ابن بنت نبيّهم ، الذي دعي فأجاب ودعا فلم يجب ، وأراد الرجعة فحبس ، وسأل الأمان فمنع ، وترك الناس فلم يتركوه ، وعدوا عليه فقتلوه ثمّ سلبوه وجرّدوه ظلما وعدوانا ، وغرّة بالله وجهلا. وبعين الله ما يعملون وإلى الله يرجعون (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)(٢).
فلما نظر إخوانكم وتدبّروا عواقب ما استقبلوا رأوا أن قد أخطؤوا بخذلان الزكيّ الطيّب ، وإسلامه وترك مواساته والنصر له خطأ كبيرا ، ليس لهم منه مخرج ولا «توبة» دون قتل قاتليه أو قتلهم ، حتّى تفنى على ذلك أرواحهم ، وقد جدّ إخوانكم فجدّوا ، وأعدّوا واستعدّوا.
وقد ضربنا لإخواننا أجلا يوافوننا إليه ، وموطنا يلقوننا فيه :
فأمّا الأجل : فغرّة شهر ربيع الآخر سنة خمس وستّين. وأمّا الموطن الذي تلقوننا فيه فالنخيلة.
أنتم الذين لم تزالوا لنا «شيعة» وإخوانا ، ألا وقد رأينا أن ندعوكم إلى هذا الأمر الذي أراد الله به إخوانكم فيما يزعمون ، ويظهرون لنا أنّهم «يتوبون» وإنّكم جدراء بتطلاب الفضل والتماس الأجر ، و «التوبة» إلى ربّكم من الذنب ، ولو كان في ذلك حزّ الرقاب وقتل الأولاد واستيفاء الأموال وهلاك العشائر.
__________________
(١) اقتباس من الخطبة : ١٨٢ في نهج البلاغة.
(٢) الشعراء : ٢٢٧. ولم يذكر السبي أيضا.