ووجّه مروان ابن زياد إلى العراق قائلا : إن غلبت على العراق فأنت أميرها (١) وكأنّه فتح عليه باب التجنيد من الشام فاستخدم خمسة من الأمراء : الحصين بن نمير السكوني ، وشرحبيل بن ذي الكلاع ، وأدهم بن محرز الباهلي ، وأبا مالك بن أدهم ، وربيعة بن مخارق الغنوي ، وجبلة بن عبد الله الخثعمي ، وبلغ خبرهم إلى زفر بن الحارث الكلابي في قرقيسياء : أنّهم فارقوا الرّقة إلى العراق في حدّ حديد وعدد كثير من مثل الشوك والشجر (٢)! وكأنّه لم تبلغه أخبار الثوار التوّابين فتحصّن منهم وهم بحاجة للزّاد.
وزفر من كندة وهي من مضر ومنها فزارة ومنهم المسيّب ، فدعاه سليمان وقال له : إلق ابن عمّك هذا فقل له : إنّا لسنا إيّاه نريد وإنّما صمدنا لهؤلاء المحلّين! فليخرج لنا سوقا.
فخرج المسيّب حتّى انتهى إلى باب قرقيسياء فناداهم : افتحوا ، ممّن تتحصّنون؟ وعرّف نفسه.
وكان من أبناء زفر الباقين : الهذيل ، أتى أباه وقال له : هذا رجل حسن الهيئة يستأذن عليك ، وسألناه : من هو؟ قال : المسيّب بن نجبة. فقال زفر : أي بنيّ أما تدري من هذا؟ هذا من إذا عدّ عشرة من أشراف مضر فهو أحدهم ، بل هو فارس مضر الحمراء كلّها! وهو بعد رجل ناسك له دين ، ائذن له.
فدخل المسيّب إليه فأجلسه إلى جانبه ولاطفه في مساءلة أحواله ، فقال المسيّب : ما اعترينا إلى شيء إلّا أن تعيننا على هؤلاء القوم الظلمة المحلّين ، فأخرج لنا سوقا ، فإنّا لا نقيم بساحتكم إلّا يوما أو بعض يوم. فدعا زفر ابنه فأمره
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٥٧.
(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٥٩٤ عن أبي مخنف.