فإذا فعلوا ذلك عادوا إلى بلادهم (العراق) فيخرجون من فيه من آل ابن الزبير «ليردّوا هذا الأمر (الحكم) إلى أهل بيت النبيّ» الذين آتاهم الله من قبلهم بالنعمة والكرامة! فأبوا.
لا نجد فيما بأيدينا إلّا أن عبد الله بن سعد في ميمنة التوّابين بدؤوا القتال فحملوا على ربيعة الغنوي في ميسرة أهل الشام فهزموهم. مع أنّهم كانوا ثلاثة أضعاف التوّابين ، ولم يكن عبد الله بن سعد في القلب ولا القائد العامّ ، ولا ذكر أمر من سليمان ، نعم كان التوّابون لا شكّ أكثر اندفاعا وحماسا. وحملت ميسرة التوّابين بإمرة الفزاريّ على جبلة بن عبد الله في ميمنة الشام ، وحمل سليمان في القلب على جماعتهم فهزموهم حتّى اضطروهم إلى معسكرهم من خلفهم ، وما زال أهل العراق قاهرين حتّى مساء الأربعاء فانصرفوا.
وكان شرحبيل بن ذي الكلاع في ثمانية آلاف (١) وكان الحصين السّكوني ادّعى أنه على جماعتهم جميعا ، وأبى شرحبيل وقال : ما ولّيت عليّ! ثمّ تكاتبا إلى ابن زياد ينتظران أمره ، وكان ابن ذي الكلاع على رأس ميل من عسكر ابن نمير (٢) ولم ينصره! وبلغ خبره إلى ابن زياد فبعث إليه يشتمه ويقول له : إنّما عملت عمل الشباب الأغمار تضيع عسكرك ومسالحك! سر إلى الحصين بن نمير حتّى توافيه وهو على الناس فجاءه بجمعه ، فتكاملوا عشرين ألفا إلّا من اصيب منهم يوم أمس (٣).
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٥٩٨ عن أبي مخنف.
(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٥٩٧ عن أبي مخنف.
(٣) مرّ أنّ ابن الخياط بلغ بهم إلى ستّين ألفا ، واكتفى ابن الأعثم بعشرين ألفا ، ورجّحه الدكتور بيضون في كتابه : سليمان بن صرد : ١٤٨ ، ووصف الأوّل بأنّه احتوى على كثير من المبالغة ، وهو الصحيح.