قال العبسي : وتحدّث الناس بهذا من أمر المختار حتّى بلغ ذلك إلى أميري الكوفة فخرجا في الناس إلى دار المختار فأخذاه وحبساه (١) وهو أولى ممّا مضى.
ويبدو أنّ المختار كان مقيّدا في حبسه بلا منع عن زيارته أحيانا ، وممّن زاره هو حميد بن مسلم الأزدي بعد عودته مع فلول التوّابين ، دخل إليه مع يحيى ابن أبي عيسى قال : فرأيته مقيّدا ، وسمعته يقول : أما وربّ البحار ، والنخيل والأشجار ، والمهامه والقفار ، والملائكة الأبرار ، والمصطفين الأخيار ، لأقتلنّ كلّ جبار بكل لدن خطّار ومهنّد بتّار ، في جموع من الأنصار ... حتّى إذا أقمت عمود الدين ورأبت شعب صدع المسلمين وشفيت غليل صدور المؤمنين وأدركت ثار النبيّين ، لم يكبر عليّ زوال الدنيا ، ولم أحفل بالموت إذا أتى!
قال الراوي يحيى : وكنّا كلما زرناه في السجن يردّد علينا هذا القول (٢) فلم يكن ممنوعا عن ذلك! ويكرّر الطبري خبر الكتاب فيقول : جاء بالكتاب سيحان بن عمرو الليثي العبدي وجمع له رفاعة بن شدّاد البجلي وأخاه عبد الله ، وأحمر بن شميط الأحمسي وعبد الله بن كامل ويزيد بن أنس ، وقرأه عليهم ، فاتّفقوا أن يبعثوا إليه ابن كامل وقالوا له : قل له : قد قرأنا كتابك ، ونحن حيث يسرّك ، فإن شئت أن نأتيك حتّى نخرجك فعلنا!
فأتى عبد الله بن كامل إلى المختار في السجن ، فأخبره بما ارسل إليه به. فسرّ المختار باجتماع «الشيعة» له ولكنّه قال له : لا تريدوا هذا ؛ فإنّي أخرج في أيامي هذه (٣) فلم يكن يمنع عنه! بل روى الكلبي عن أبي مخنف : أنّ رفاعة بن
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٦٠٦ عن أبي مخنف.
(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٥٨١ ـ ٥٨٢ عن أبي مخنف ، ويروي أيضا عنه قريبا منه في ٦ : ٧.
(٣) تاريخ الطبري ٦ : ٧ ـ ٨ ، وسمّى الخبر معهم : سعد بن حذيفة بن اليمان ، ولم يكن معهم في الكوفة بل عاد إلى المدائن ، وكذلك المثنّى العبدي البصري ، وعاد إلى البصرة.