فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو. أمّا بعد : فإنّي قد بعثت إليكم بوزيري وأميني ، ونجيبي الذي ارتضيته لنفسي ، وقد أمرته بقتال عدوي والطلب بدماء أهل بيتي ، فانهض معه بنفسك وعشيرتك ومن أطاعك ؛ فإنّك إن نصرتني وأجبت دعوتي وساعدت وزيري ، كانت لك بذلك أعنّة الخيل ، وكلّ مصر ومنبر وثغر ظهرت عليه فما بين الكوفة إلى أقصى بلاد الشام ، وعليّ الوفاء بذلك على عهد الله! فإن فعلت ذلك نلت به عند الله أفضل الكرامة! وكانت لك عندي بذلك فضيلة. وإن أبيت هلكت! هلاكا لا تستقيله أبدا! والسلام عليك!
وبعد ثلاثة أيام (من الدعوة السابقة) دعا المختار بضعة عشر رجلا من وجوه أصحابه ليلا وأخبرهم بأمره ، وفيهم شراحيل بن عبد الشعبي وابنه عامر وإليه دفع الكتاب ، ولم يعلمهما بما يريد وتقدّمهم يسير بهم ويقدّ بيوت الكوفة قدّا حتّى وقف على باب إبراهيم بن الأشتر فاستأذن لهم عليه ، فأذن لهم فدخلوا عليه.
فبدأ المختار كلامه فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على محمّد ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّ معنا كتابا إليك من «المهدي» محمّد بن أمير المؤمنين «الوصيّ» وهو خير أهل الأرض اليوم! وابن خير أهل الأرض قبل اليوم بعد أنبياء الله ورسله ، وهو يسألك أن تنصرنا وتؤازرنا ، فإن فعلت اغتبطت ، وإلّا فهذا الكتاب حجّة عليك ، وسيغني الله محمّدا «المهدي» وأولياءه عنك. ثمّ قال لعامر الشعبي : ادفع إليه الكتاب ، فدفعه إليه مختوما ، فدعا بالمصباح وفضّ خاتمه وقرأه ، فلمّا قضى إبراهيم قراءة الكتاب قال للمختار : لقد كتبت إلى ابن الحنفية قبل اليوم ولقد كتب إليّ ، فما كان يكتب إلّا باسمه واسم أبيه! فقال المختار : إنّ ذلك زمان وهذا زمان!
وكان المختار قد أخبر بذلك جماعة أصحابه بأمر الكتاب ، وقال لهم إبراهيم : فمن يعلم أنّ هذا كتاب ابن الحنفية إليّ؟ فشهد كلّهم بذلك إلّا الشعبي وأباه! فعند ذلك قام إبراهيم عن صدر فراشه وأخذ بيد المختار فأقامه وأجلسه