وأقبل ابن ورس الهمداني حتّى انتهى إلى ماء الرقيم (؟) وقد هلكوا من قلّة الزاد معهم. وكأن ابن ورس أخبر بقدوم جند ابن الزبير إليهم فعبّأ أصحابه فجعل لخيله ميمنة وعليها سلمان بن حمير الثوري الهمداني وميسرة فحسب وعليها عياش بن جعدة الجدلي. وأقبل ابن سهل حتّى لقى ابن ورس بالرقيم وقد تعبّأ ، وجاء عباس في أصحابه وهم منقطعون إعياء على غير تعبئة ، فوجد ابن ورس على الماء وقد عبّأ أصحابه تعبئة القتال ، فدنا فسلّم عليه ثمّ عرض عليه أن يخلو معه فخلا به وقال له : رحمك الله ألست في طاعة ابن الزبير؟ قال ابن ورس : بلى! قال عباس : فإن كنت في طاعة ابن الزبير فقد أمرني أن أسير بك وبأصحابك إلى عدوّنا الذي بوادي القرى ، فإن ابن الزبير حدّثني أنّه إنّما اشخصكم صاحبكم إليهم.
فقال ابن ورس : ما امرت بطاعتك ، وما أنا بمتّبعك دون أن أدخل المدينة ثمّ اكتب إلى صاحبي فيأمرني بأمره! فقال عباس : فرأيك فاعمل بما بدالك ، فأمّا أنا فإنّي سائر إلى وادي القرى!
وحيث رأى قلّة زادهم بعث عباس إلى كلّ عشرة منهم شاة ، وبعث إلى ابن ورس بنوق وجزر فأهداها له وبعث بدقيق وغنم مسلّخة ، فذبحوا واشتغلوا بها واختلطوا على الماء وتركوا تبعئتهم واستأمنوا.
ولمّا رأى عباس ما هم فيه من الانشغال ، جمع من رجاله ألفا من ذوي البأس والنجدة ثمّ أقبل بهم إلى فسطاط ابن ورس! فلمّا رآهم ابن ورس مقبلين إليه أخذ ينادي في أصحابه : يا شرطة الله! قاتلوا المحلّين أولياء الشيطان الرجيم وقد غدروا وفجروا! فلم يتوافى إليه منهم حتّى مئة رجل! بل بقي في سبعين من أهل الحفاظ من أصحابه فقتلوا. وانصرف نحو من ثلاثمئة رجل مع سلمان بن حمير الهمداني وعياش بن جعدة الجدلي ، ثمّ رفع العباس راية أمان لأصحاب ابن ورس ، فأتوها إلّا اولئك الأربعمئة تقريبا ، فأمر بقتلهم جميعا!