فقتلوا إلّا نحوا من مئتي رجل كره بعض من دفعوا إليهم لقتلهم فخلوا سبيلهم فرجعوا فماتوا في الطريق جوعا وعطشا!
ورجع من رجع منهم إلى المختار فأخبروه خبرهم فقام خطيبا فقال : ألا إنّ الفجّار الأشرار قتلوا الأبرار الأخيار ، وقد كان أمرا مأتيّا وقضاء مقضيّا.
ثمّ لم يقطع الطمع وأراد القود فكتب إلى ابن الحنفية كتابا قال فيه : بسم الله الرحمنِ الرحیم ، أمّا بعد ، فإنّي كنت بعثت إليك جندا! ليذلّوا لك الأعداء! وليحوزوا لك البلاد! فساروا إليك حتّى إذا أظلوا على طيبة لقيهم جند الملحد! فخدعوهم بالله وغرّوهم بعهد الله ، فلمّا اطمأنّوا إليهم ووثقوا بذلك منهم وثبوا عليهم فقتلوهم. فإن رأيت أن أبعث إلى أهل المدينة من قبلي جيشا كثيفا وتبعث إليهم من قبلك رسلا ليعلم أهل المدينة أنّي في طاعتك وإنّما بعثت الجند إليهم عن أمرك! فافعل ، فإنّك ستجد عظمهم أعرف بحقّكم وأرأف بكم «أهل البيت» منهم بآل الزبير الظلمة الملحدين ، والسلام عليك. ثمّ دعا صالح بن مسعود الخثعمي فبعث الكتاب معه.
فكتب ابن الحنفية إليه : أمّا بعد ، فإنّ كتابك لمّا بلغني قرأته وفهمت تعظيمك لحقّي وما تنوي من سروري. وإنّ أحبّ الأمور كلّها إليّ ما اطيع الله فيه ، فأطع الله ما استطعت فيما أعلنت وأسررت. واعلم أنّي لو أردت لوجدت الناس إليّ سراعا والأعوان لي كثيرا ، ولكنّي أعتزلهم وأصبر حتّى يحكم الله لي وهو خير الحاكمين. وناوله لصالح بن مسعود الخثعمي رسول المختار وقال له : قل له فليتّق الله وليكفف عن الدماء!
فلمّا قدم صالح الخثعمي بكتاب العبد الصالح إلى المختار أظهر للناس أنّه قد أمره بأمر يجمع البرّ واليسر ويضرح الكفر والغدر (١) وحيث لم يحصل منه على مختاره انتهز الفرصة التالية لذلك.
__________________
(١) تاريخ الطبري ٦ : ٧٢ ـ ٧٥ عن أبي مخنف.