فلمّا تدانى الصفّان حمل الحصين بن نمير في ميمنة أهل الشام على ميسرة أهل الكوفة فقتل قائدها الجشمي ، فأخذ رايته ابنه قرّة فقتل أيضا مع رجال آخرين ثابتين ثمّ انهزمت الميسرة ، فأخذ رايتها عبد الله بن ورقاء السلولي واستقبلهم وقال لهم : إليّ يا شرطة الله! فأقبل جلّهم إليه ، فقال لهم : سيروا بنا إلى أميركم فها هو يقاتل ، فأقبل بهم إليه فإذا به هو كاشف عن رأسه يناديهم : يا شرطة الله إليّ أنا ابن الأشتر! إنّ خير فرّاركم كرّاركم وليس مسيئا من أعتب. فثاب إليه أصحابه.
وقد مرّ أنه جعل على ميمنته يزيد بن سفيان ، وأنّ عمير بن حباب السلمي على ميسرة الشام وعده أن ينهزم بهم ، فأرسل إبراهيم إلى يزيد أن يحمل على ميسرتهم وهو يرجو أن ينهزم عمير كما ادّعى ، بينما ثبت عمير وقاتل قتالا شديدا!
فلمّا رأى إبراهيم ذلك قال لأصحابه : أمّوا السواد الأعظم فو الله لو فضضناه لا نجفل من ترون انجفال طير ذعرت فطارت! ثمّ حمل فكان يقول لصاحب رايته : انغمس برايتك فيهم. فيقول : جعلت فداك ليس لي متقدّم. فإذا تقدّم شدّ إبراهيم بسيفه فلا يضرب رجلا إلّا صرعه ، وكان يكرد الرجال بين يديه ، وإذا حمل برايته شدّ أصحابه شدّة واحدة.
قال ورقاء بن عازب : مشينا إليهم حتّى إذا دنونا منهم اطّعنّا بالرماح قليلا ثمّ صرنا إلى العمد والسيوف فاضطربنا بها مليّا من النهار .. ثمّ إن الله هزمهم ومنحنا أكتافهم. فلمّا رأى عمير بن الحباب هزيمة أصحابه بعث إلى إبراهيم يسأله : أجيئك الآن؟ فقال له : لا تأتينّي حتّى تسكن فورة شرطة الله ، فإنّي أخاف عليك عاديتهم الآن (١).
__________________
(١) تاريخ الطبري ٦ : ٩٠ ، عن أبي مخنف ، عن فضيل بن خديج الكندي. وفي ٦ : ٨١ : أنّه ممّن شهد الوقعة.