فتوجّه الحجّاج ومعه أربعة آلاف من أخلاط الناس وألفا رجل من مقاتلة الشاميّين (١).
فلمّا بلغ القادسيّة أمر الجيش أن يُقيلوا ثمّ يروحوا وراءه ، ولبس ثياب السفر وتعمّم بعمامته ، ودعا بجمل عليه قتب فجلس عليه بغير حشية ولا وطاء! وأخذ الكتاب بيده حتّى دخل الكوفة وحده فجعل ينادي : الصلاة جامعة! حتّى صعد المنبر متلثّما متنكّباً قوسه ، فجلس عليه ، وفي المسجد رجال جلوس في مجالسهم مع كلّ منهم العشرون والثلاثون وأكثر من ذلك من أهله ومواليه. فمن قائل يقول : أعرابي ما أبصر محجّته (طريقه) ومن قائل يقول : حُصر الرجل فما يقدر على الكلام! وقال بعضهم لبعض : قوموا حتّى نحصبه!
ودخل محمّد بن عمير الدارمي التميمي في مواليه ، فلمّا رأى الحجّاج جالساً على المنبر لا ينطق قال : لعن الله بني اُمية حين يولّون العراق مثل هذا! والله لو وجدوا أذمَّ من هذا لبعثوه إلينا! ثمّ ضرب بيده إلى حصباء المسجد ليحصبه فقال له بعض أهله : أصلحك الله اكفف عن الرجل حتّى نسمع ما يقول. فلمّا غصّ المسجد بأهله حسر اللثام عن وجهه ثمّ قام ونحّى العمامة عن رأسه وقال :
أنا ابن جلا ، وطلّاع الثنايا |
|
متى أضع العمامة تعرفوني |
ثمّ ما حمد الله ولا أثنى عليه ولا صلّى على نبيّه وقال : إنّي والله لأرى أبصاراً طامحة وأعناقاً متطاولة ، ورؤوساً قد أينعت وحان قطافها! وإنّي صاحبها : كأنّي أنظر إلى الدماء ترقرق بين العمائم واللحى! ثمّ ارتجز ببعض أراجيز الحروب ثمّ قال :
__________________
(١) الإمامة والسياسة ٢ : ٣٢.