ثمّ عزم عبد الملك على ذلك فكتب إلى الحجّاج بأن يشخص إليه عامر بن شراحيل الشعبي الهمداني! فأشخصه إليه فآنسه وبرّه وأقام عنده أياما ثمّ قال له : إنيّ أأتمنك على شيء لم أاتمن عليه أحدا! إنه قد بدا لي أن ابايع للوليد بولاية العهد بعدي ، فاذهب إلى عبد العزيز وزيّن له أن يخلع نفسه من ولاية العهد على أن تكون له مصر طعمة!
ثمّ نقل اليعقوبي عن الشعبي قال : فذهبت إلى عبد العزيز ، فما رأيت ملكا أسمح أخلاقا منه! وذات يوم وأنا خال به احدّثه إذ قلت له : أصلح الله الأمير ، والله إن رأيت ملكا أكمل ولا نعمة أنضر ولا عزّا أتمّ ممّا أنت فيه! ولقد رأيت عبد الملك طويل النصب كثير التعب ، قليل الراحة دائم الروعة ، هذا إلى ما يتحمّل من أمر الامّة! والله لوددت أنّهم أجابوك إلى أن يصيّروا مصر طعمة لك ثمّ يصيّروا عهدهم لمن أحبّوا! فقال : ولكن من لي بذلك؟ فعرفت ما عنده من الموافقة على ذلك.
فانصرفت عائدا إلى أخيه عبد الملك فأخبرته الخبر ، فخلع عبد الملك أخاه من ولاية العهد وولّاها ابنيه الوليد ثمّ سليمان بعده. فقيل : إنّ عبد العزيز سقي سمّا .. وكان على مصر والمغرب. فجعلهما لابنه الثالث عبد الله بن عبد الملك. وطلب البيعة للوليد ولسليمان معا. وكان على المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي فطلبها من (ابن عمّه) سعيد بن المسيّب (المخزومي) فأبى أن يجمع بيعتين ، فضربه هشام ستين سوطا وطاف به. فبلغ ذلك عبد الملك فكتب إلى هشام يلومه على ذلك (١).
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٧٩ ـ ٢٨٠.