الغسّال الثوب ، فدوّره ثلاثا ثمّ دحا به إلى البحر! فما تفسيره؟ فقال سعيد : إن صدقت رؤياك فسيموت عبد الملك إلى ثلاثة أيام! فلم تمض ثلاثة أيام حتّى جاء نعيه! فسأل الرجل سعيد : من أين قلت هذا؟ قال : لأنّ موسى غرّق فرعون ، ولا أعلم فرعون هذا الوقت إلّا عبد الملك (١).
قال : وخلّف أربعة عشر ذكرا : الوليد وسليمان وعبد الله ومسلمة ومروان ومعاوية ويزيد والحجّاج وعنبسة وآخرين. فلما حضرته الوفاة جمعهم وقال للوليد : إذا أنا متّ فشمّر وائتزر والبس جلد النمر! ثمّ ادع الناس إلى بيعتك فمن قال برأسه كذا فقل بالسيف كذا (٢)!
وقال ابن قتيبة : كان مروان قد زوّج ابنته فاطمة لابن أخيه عمر بن عبد العزيز وكان يومئذ حاضرا فأوصاه بها وبابنيه الوليد وسليمان ـ وكان قد عهد إليهما على التوالي ـ ثمّ قال لهم قوموا عصمكم الله وكفاكم! فقاموا وخرجوا من عنده ، ثمّ دعا بالوليد وسليمان فقال للوليد : اسمع يا وليد ، قد حضر الوداع وذهب الخداع وحلّ القضاء! فبكى الوليد فقال عبد الملك : لا تعصر عينيك عليّ كما تعصر الأمة الوكاء (القربة) إذا أنا متّ فاغسلني وكفّني وصلّ عليّ واسلمني إلى عمر بن عبد العزيز يدلّيني في حفرتي. أما أنت فاخرج للناس والبس لهم جلد النمر واقعد على المنبر! وادفع الناس إلى بيعتك ، فمن قال بوجهه عنك كذا فقل له بالسيف كذا! وتنكّر للقريب واسمح للبعيد! واوصيك بالحجّاج خيرا فإنّه هو الذي وطّأ لكم المنابر وكفاكم تقحّم تلك الجرائر! ثمّ مات.
__________________
(١) تاريخ خليفة : ١ : ١٨٣ ـ ١٨٥.
(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٨٠ ـ ٢٨١.