ثمّ هدم الحجرات والمنازل التي حول المسجد وأدخلها فيه وفرغ من بنائه في سنة (٩٠ ه) ، فحجّ الوليد سنة (٩١ ه) لينظر إلى المسجد وما اصلح منه ، فلمّا قرب من المدينة جمع عمر أشرافها وخرج فتلقّاه بهم ، وأخرج من المسجد كلّ من كان فيه إلّا سعيد بن المسيب. فدخل الوليد وجعل يطوف وسعيد بن المسيب جالس ، فقال الوليد لعمر : أحسب أن هذا سعيد بن المسيّب؟ قال عمر : نعم ، وقد ضعف بصره ، كأنه يعتذر له منه ، فجاء الوليد حتّى وقف عليه بلا سلام وقال له : كيف أنت أيها الشيخ؟ فعرفه وقال : يا أمير المؤمنين نحن بخير وكيف أنت؟ وانصرف الوليد وهو يقول : هذا بقيّة الناس! ثمّ قسم بين أهل المدينة قسما كثيرة.
فلمّا كان يوم الجمعة صفّ الجند في المسجد صفّين وخرج الوليد في درّاعة وقلنسوة بلا عمامة ولا رداء فصعد المنبر وقعد عليه وخطب قاعدا! وتوعّد أهل المدينة فقال لهم : إنّكم أهل الخلاف والمعصية!
وكان قد جعل على مكّة خالد بن عبد الله القسري ، وكان قد بعث إليه بثلاثين ألف دينار فضربت كصفائح على الأساطين داخل الكعبة وعلى الميزاب والأركان والباب ، فكان أوّل من فعل ذلك. وصار إلى مكّة ففيها أيضا خطب خطبة بتراء فيها الوعيد والتهديد! وفي عرفات نصب موائد وأطعم الناس (١).
وعيّن ابن الوردي مساحة توسعة مسجد النبيّ بمئتي ذراع في مثلها ، وأنّه ثمّن البيوت فوضع أثمانها في بيت المال ، وقدمت الفعلة والصناع لذلك من الشام (٢) وكان البدء بذلك في سنة (٨٧ ه) (٣). وهدم فيما هدم دار علي عليهالسلام الذي كان في المسجد (٤).
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٨٤ ـ ٢٨٥.
(٢) تاريخ ابن الوردي ١ : ١٧٠.
(٣) تاريخ خليفة : ١٩١.
(٤) مناقب آل أبي طالب ٢ : ٢٤٠. وقال ابن الفقيه في مختصر تاريخ البلدان : ١٠٧ :